وهم لا يعتقدون أنّ الله كتب عليهم القتال ، وقال ابن جرير عن مجاهد : نزلت في اليهود ، وعليه تكون الآية مثالا ضربه الله للمسلمين الذين أوجب عليهم القتال ، تحذيرا لهم في الوقوع في مثل ذلك ، فيكون على طريقة قوله : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى إِذْ قالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنا مَلِكاً) الآية في سورة البقرة [٢٤٦].
والرؤية بصرية ، وهي على بعض الوجوه المرويّة بصرية حقيقية ، وعلى بعضها بصرية تنزيلية ، للمبالغة في اشتهار ذلك.
وانتصب (خَشْيَةً) على التمييز لنسبة (أَشَدَّ) ، كما تقدّم في قوله تعالى : (كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً) وقد مرّ ما فيه في سورة البقرة [٢٠٠].
والجواب بقوله : (قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ) جواب عن قولهم : (لَوْ لا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ) سواء كان قولهم لسانيا وهو بيّن ، أم كان نفسيا ، ليعلموا أنّ الله أطلع رسوله على ما تضمره نفوسهم ، أي أنّ التأخير لا يفيد والتعلّق بالتأخير لاستبقاء الحياة لا يوازي حظّ الآخرة ، وبذلك يبطل ما أرادوا من الفتنة بقولهم : (لَوْ لا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ).
وموقع قوله : (وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً) موقع زيادة التوبيخ الذي اقتضاه قوله : (قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ) ، أي ولا تنقصون شيئا من أعماركم المكتوبة ، فلا وجه للخوف وطلب تأخير فرض القتال ؛ وعلى تفسير الأجل في : (لَوْ لا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ) بأجل العمر ، وهو الوجه المستبعد ، يكون معنى (وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً) تغليطهم في اعتقادهم أنّ القتل يعجّل الأجل ، فيقتضي أن يكون ذلك عقيدة للمؤمنين إن كانوا هم المخاطبين قبل رسوخ تفاصيل عقائد الإسلام فيهم ، أو أنّ ذلك عقيدة المنافقين إن كانوا هم المخاطبين.
وقيل معنى نفي الظلم هنا أنّهم لا يظلمون بنقص ثواب جهادهم ، فيكون موقعه موقع التشجيع لإزالة الخوف ، ويكون نصبه على النيابة عن المفعول المطلق. وقيل : معناه أنّهم لا يظلمون بنقص أقلّ زمن من آجالهم ، ويجيء على هذا التفسير أن يجعل (تُظْلَمُونَ) بمعنى تنقصون ، كقوله تعالى : (وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً) [الكهف : ٣٣] ، أي كلتا الجنتين من أكلها ، ويكون (فَتِيلاً) مفعولا به ، أي لا تنقصون من أعماركم ساعة ، فلا موجب للجبن.
وقرأ الجمهور : (وَلا تُظْلَمُونَ) ـ بتاء الخطاب ـ على أنّه أمر الرسول أن يقوله لهم. وقرأه ابن كثير ، وحمزة ، والكسائي ، وأبو جعفر ، وروح عن يعقوب ، وخلف ـ بياء