استأذنوا في قتل المشركين وهم في مكة أنّهم لمّا هاجروا إلى المدينة كرروا الرغبة في قتال المشركين ، وأعاد النبي صلىاللهعليهوسلم تهدئتهم زمانا ، وأنّ المنافقين تظاهروا بالرغبة في ذلك تمويها للنفاق ، فلمّا كتب القتال على المسلمين جبن المنافقون ، وهذا هو الملائم للإخبار عنهم بأنّهم يخشون الناس كخشية الله أو أشدّ. وتأويل وصفهم بقوله (مِنْهُمْ) : أي من الذين قيل لهم : كفّوا أيديكم ، وهذا على غموضه هو الذي ينسجم مع أسلوب بقية الكلام في قوله : (وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِ اللهِ) وما بعده ، كما سيأتي ، أمّا على قول السدّي فلا حاجة إلى تأويل الآية.
فالاستفهام في قوله : (أَلَمْ تَرَ) للتعجيب ، وقد تقدّمت نظائره. والمتعجّب منهم ليسوا هم جميع الذين قيل لهم في مكة : كفّوا أيديكم ، بل فريق آخر من صفتهم أنّهم يخشون الناس كخشية الله. وإنّما علّق التعجيب بجميع الذين قيل لهم باعتبار أنّ فريقا منهم حالهم كما وصف ، فالتقدير : ألم تر إلى فريق من الذين قيل لهم : كفّوا أيديكم.
والقول في تركيب قوله : (كَخَشْيَةِ اللهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً) كالقول في نظيره ، وهو قوله تعالى : (فَاذْكُرُوا اللهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً) في سورة البقرة [٢٠٠].
وقولهم : (رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ) إنّما هو قولهم في نفوسهم على معنى عدم الاهتداء لحكمة تعليل الأمر بالقتال وظنّهم أنّ ذلك بلوى. (والأجل القريب) مدّة متأخّرة ريثما يتمّ استعدادهم ، مثل قوله : (فَيَقُولَ رَبِّ لَوْ لا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ) [المنافقون : ١٠].
وقيل : المراد من (الأجل) العمر ،. بمعنى لو لا أخّرتنا إلى أن تنقضي آجالنا دون قتال ، فيصير تمنّيا لانتفاء فرض القتال ، وهذا بعيد لعدم ملائمته لسياق الكلام ، إذ ليس الموت في القتال غير الموت بالأجل ، ولعدم ملاءمته لوصفه بقريب ، لأنّ أجل المرء لا يعرف أقريب هو أم بعيد إلّا إذا أريد تقليل الحياة كلّها. وعلى كلا الوجهين فالقتال المشار إليه هنا هو أوّل قتال أمروا به ، والآية ذكّرتهم بذلك في وقت نزولها حين التهيّؤ للأمر بفتح مكة. وقال السديّ : أريد بالفريق بعض من قبائل العرب دخلوا في الإسلام حديثا قبل أن يكون القتال من فرائضه وكانوا يتمنّون أن يقاتلوا فلما كتب عليهم القتال جبنوا لضعف إيمانهم ، ويكون القتال الذين خافوه هو غزو مكة ، وذلك أنّهم خشوا بأس المشركين.
وقولهم : (رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ) يحتمل أن يكون قولا في نفوسهم ، ويحتمل أنّه مع ذلك قول بأفواههم ، ويبدو هو المتعيّن إذا كان المراد بالفريق فريق المنافقين ؛ فهم يقولون : ربّنا لم كتبت علينا القتال بألسنتهم علنا ليوقعوا الوهن في قلوب المستعدّين له