المؤمنين الخلّص وقد روي أنّه حدث حادث قتل مؤمن خطأ بالمدينة ناشئ عن حزازات أيّام القتال في الشرك أخطأ فيه القاتل إذ ظنّ المقتول كافرا. وحادث قتل مؤمن عمدا ممّن كان يظهر الإيمان ، والحادث المشار إليه بقوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَتَبَيَّنُوا) [النساء : ٩٤] وأنّ هذه الآيات نزلت في ذلك ، فتزداد المناسبة وضوحا لأنّ هذه الآية تصير كالمقدمة لما ورد بعدها من الأحكام في القتل.
هوّل الله تعالى أمر قتل المسلم أخاه المسلم ، وجعله في حيّز ما لا يكون ، فقال : (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً) فجاء بصيغة المبالغة في النفي ، وهي صيغة الجحود ، أي ما وجد لمؤمن أن يقتل مؤمنا في حال من الأحوال إلّا في حال الخطأ ، أو أن يقتل قتلا من القتل إلّا قتل الخطأ ، فكان الكلام حصرا وهو حصر ادّعائي مراد به المبالغة كأنّ صفة الإيمان في القاتل والمقتول تنافي الاجتماع مع القتل في نفس الأمر منافاة الضدّين لقصد الإيذان بأنّ المؤمن إذا قتل مؤمنا فقد سلب عنه الإيمان وما هو بمؤمن ، على نحو «ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن» فتكون هذه الجملة مستقلّة عمّا بعدها ، غير مراد بها التشريع ، بل هي كالمقدّمة للتشريع ، لقصد تفظيع حال قتل المؤمنِ المؤمنَ قتلا غير خطإ ، وتكون خبرية لفظا ومعنى ، ويكون الاستثناء حقيقيّا من عموم الأحوال ، أي ينتفي قتل المؤمن مؤمنا في كلّ حال إلّا في حال عدم القصد ، وهذا أحسن ما يبدو في معنى الآية.
ولك أن تجعل قوله : (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ) خبرا مرادا به النهي ، استعمل المركّب في لازم معناه على طريقة المجاز المرسل التمثيلي ، وتجعل قوله : (إِلَّا خَطَأً) ترشيحا للمجاز : على نحو ما قرّرناه في الوجه الأوّل ، فيحصل التنبيه على أنّ صورة الخطأ لا يتعلّق بها النهي ، إذ قد علم كلّ أحد أنّ الخطأ لا يتعلّق به أمر ولا نهي ، يعني إن كان نوع من قتل المؤمن مأذونا فيه للمؤمن ، فهو قتل الخطأ ، وقد علم أنّ المخطئ لا يأتي فعله قاصدا امتثالا ولا عصيانا ، فرجع الكلام إلى معنى : وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا قتلا تتعلّق به الإرادة والقصد بحال أبدا ، فتكون الجملة مبدأ التشريع ، وما بعدها كالتفصيل لها ؛ وعلى هذين الوجهين لا يشكل الاستثناء في قوله : (إِلَّا خَطَأً). وذهب المفسّرون إلى أنّ (ما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً) مراد به النهي ، أي خبر في معنى الإنشاء فالتجئوا إلى أنّ الاستثناء منقطع بمعنى (لكن) فرارا من اقتضاء مفهوم الاستثناء إباحة أن يقتل مؤمن مؤمنا خطأ ، وقد فهمت أنّه غير متوهّم هنا.