وإنّما جيء بالقيد في قوله : (وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً) لأنّ قوله : (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً) مراد به ادّعاء الحصر أو النهي كما علمت ، ولو كان الخبر على حقيقته لاستغنى عن القيد لانحصار قتل المؤمن بمقتضاه في قتل الخطأ ، فيستغنى عن تقييده به.
روى الطبري ، والواحدي ، في سبب نزول هذه الآية : أنّ عيّاشا بن أبي ربيعة المخزومي كان قد أسلم وهاجر إلى المدينة قبل هجرة النبي صلىاللهعليهوسلم ، وكان أخا أبي جهل لأمّه فخرج أبو جهل وأخوه الحارث بن هشام والحارث بن زيد بن أبي أنيسة في طلبه ، فأتوه بالمدينة وقالوا له : إنّ أمّك أقسمت أن لا يظلّها بيت حتّى تراك ، فارجع معنا حتّى تنظر إليك ثم ارجع ، وأعطوه موثقا من الله أن لا يهجوه ، ولا يحولوا بينه وبين دينه ، فخرج معهم فلمّا جاوزوا المدينة أوثقوه ، ودخلوا به مكة ، وقالوا له «لا نحلّك من وثاقك حتّى تكفر بالذي آمنت به». وكان الحارث بن زيد يجلده ويعذّبه ، فقال عيّاش للحارث «والله لا ألقاك خاليا إلّا قتلتك» فبقي بمكة حتّى خرج يوم الفتح إلى المدينة فلقي الحارث بن زيد بقباء ، وكان الحارث قد أسلم ولم يعلم عياش بإسلامه ، فضربه عياش فقتله ، ولما أعلم بأنّه مسلم رجع عيّاش إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فأخبره بالذي صنع فنزلت : (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً) فتكون هذه الآية قد نزلت بعد فتح مكة.
وفي ابن عطية : قيل نزلت في اليمان ، والد حذيفة بن اليمان ، حين قتله المسلمون يوم أحد خطأ.
وفي رواية للطبري : أنّها نزلت في قضية أبي الدرداء حين كان في سريّة ، فعدل إلى شعب فوجد رجلا في غنم له ، فحمل عليه أبو الدرداء بالسيف ، فقال الرجل «لا إله إلّا الله» فضربه فقتله وجاء بغنمه إلى السرية ، ثم وجد في نفسه شيئا فأتى إلى النبي صلىاللهعليهوسلم فذكر ذلك له ، فنزلت الآية.
وقوله : (فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ) الفاء رابطة لجواب الشرط ، و (تحرير) مرفوع على الخبرية لمبتدإ محذوف من جملة الجواب : لظهور أنّ المعنى : فحكمه أو فشأنه تحرير رقبة كقوله : (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ) [يوسف : ١٨]. والتحرير تفعيل من الحريّة ، أي جعل الرقبة حرّة. والرقبة أطلقت على الذات من إطلاق البعض على الكلّ ، كما يقولون ، الجزية على الرءوس على كل رأس أربعة دنانير.
ومن أسرار الشريعة الإسلامية حرصها على تعميم الحرية في الإسلام بكيفية منتظمة ،