وقد تقرّر في عدّة آيات كقوله : (فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً) وغير ذلك [النساء : ٢٤].
والمهر علامة معروفة للتفرقة بين النكاح وبين المخادنة ، لكنّهم في الجاهلية كان الزوج يعطي مالا لولي المرأة ويسمّونه حلوانا ـ بضم الحاء ـ ولا تأخذ المرأة شيئا ، فأبطل الله ذلك في الإسلام بأن جعل المال للمرأة بقوله : (وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَ).
وقال جماعة : الخطاب للأولياء ، ونقل ذلك عن أبي صالح قال : لأنّ عادة بعض العرب أن يأكل وليّ المرأة مهرها فرفع الله ذلك بالإسلام. وعن الحضرمي : خاطبت الآية المتشاغرين الذين كانوا يتزوّجون امرأة بأخرى ، ولعلّ هذا أخذ بدلالة الإشارة وليس صريح اللفظ ، وكل ذلك ممّا يحتمله عموم النساء وعموم الصدقات.
والصدقات جمع صدقة ـ بضمّ الدال ـ والصدقة : مهر المرأة ، مشتقّة من الصدق لأنّها عطية يسبقها الوعد بها فيصدقه المعطي.
والنّحلة ـ بكسر النون ـ العطيّة بلا قصد عوض ، ويقال : نحل ـ بضم فسكون ـ. وانتصب نحلة على الحال من «صدقاتهنّ» ، وإنّما صحّ مجيء الحال مفردة وصاحبها جمع لأنّ المراد بهذا المفرد الجنس الصالح للأفراد كلّها ، ويجوز أن يكون نحلة منصوبا على المصدرية لآتوا لبيان النوع من الإيتاء أي إعطاء كرامة.
وسمّيت الصدقات نحلة إبعادا للصدقات عن أنواع الأعواض ، وتقريبا بها إلى الهدية ، إذ ليس الصداق عوضا عن منافع المرأة عند التحقيق ، فإنّ النكاح عقد بين الرجل والمرأة قصد منه المعاشرة ، وإيجاد آصرة عظيمة ، وتبادل حقوق بين الزوجين ، وتلك أغلى من أن يكون لها عوض مالي ، ولو جعل لكان عوضها جزيلا ومتجدّدا بتجدّد المنافع ، وامتداد أزمانها ، شأن الأعواض كلّها ، ولكنّ الله جعله هدية واجبة على الأزواج إكراما لزوجاتهم ، وإنّما أوجبه الله لأنّه تقرّر أنّه الفارق بين النكاح وبين المخادنة والسفاح ، إذ كان أصل النكاح في البشر اختصاص الرجل بامرأة تكون له دون غيره ، فكان هذا الاختصاص ينال بالقوّة ، ثمّ اعتاض الناس عن القوّة بذل الأثمان لأولياء النساء ببيعهم بناتهم ومولياتهم ، ثمّ ارتقى التشريع وكمل عقد النكاح ، وصارت المرأة حليلة الرجل شريكته في شئونه وبقيت الصدقات أمارات على ذلك الاختصاص القديم تميّز عقد النكاح عن بقية أنواع المعاشرة المذمومة شرعا وعادة ، وكانت المعاشرة على غير وجه النكاح خالية عن بذل المال للأولياء إذ كانت تنشأ عن الحبّ أو الشهوة من الرجل للمرأة على انفراد وخفية من أهلها ، فمن ذلك الزنى الموقّت ، ومنه المخادنة ، فهي زنا مستمرّ ، وأشار