وهو استعمال عربي. قال النابغة في مرض النعمان بن المنذر :
ونحن لديه نسأل الله خلده |
|
يردّ ملكا وللأرض عامرا |
ومحمله عند من يكفّر بالكبائر من الخوارج ، وعند من يوجب الخلود على أهل الكبائر ، على وتيرة إيجاب الخلود بارتكاب الكبيرة.
وكلا الفريقين متّفقون على أنّ التوبة ترد على جريمة قتل النفس عمدا ، كما ترد على غيرها من الكبائر ، إلّا أنّ نفرا من أهل السنّة شذّ شذوذا بيّنا في محمل هذه الآية : فروي عن ابن مسعود ، وابن عمر ، وابن عباس : أنّ قاتل النفس متعمّدا لا تقبل له توبة ، واشتهر ذلك عن ابن عباس وعرف به ، أخذا بهذه الآية ، وأخرج البخاري أنّ سعيد بن جبير قال : آية اختلف فيها أهل الكوفة ، فرحلت فيها إلى ابن عباس ، فسألته عنها ، فقال: نزلت هذه الآية (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها) الآية : هي آخر ما نزل وما نسخها شيء ، فلم يأخذ بطريق التأويل. وقد اختلف السلف في تأويل كلام ابن عباس : فحمله جماعة على ظاهره ، وقالوا : إنّ مستنده أنّ هذه الآية هي آخر ما نزل ، فقد نسخت الآيات التي قبلها ، التي تقتضي عموم التوبة ، مثل قوله : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) [النساء : ١١٦] ، فقاتل النفس ممن لم يشإ الله يغفر له ومثل قوله (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى) [طه : ٨٢] ، ومثل قوله : (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهاناً* إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صالِحاً) [الفرقان : ٦٨ ، ٦٩]. والحقّ أنّ محلّ التأويل ليس هو تقدّم النزول أو تأخّره ، ولكنّه في حمل مطلق الآية على الأدلّة التي قيّدت جميع أدلّة العقوبات الأخروية بحالة عدم التوبة. فأمّا حكم الخلود فحمله على ظاهره أو على مجازه ، وهو طول المدّة في العقاب ، مسألة أخرى لا حاجة إلى الخوض فيها حين الخوض في شأن توبة القاتل المتعمّد ، وكيف يحرم من قبول التوبة ، والتوبة من الكفر ، وهو أعظم الذنوب مقبولة ، فكيف بما هو دونه من الذنوب.
وحمل جماعة مراد ابن عبّاس على قصد التهويل والزجر ، لئلّا يجترئ الناس على قتل النفس عمدا ، ويرجون التوبة ، ويعضدون ذلك بأنّ ابن عباس روي عنه أنّه جاءه رجل فقال: «ألمن قتل مؤمنا متعمّدا توبة» فقال : «لا إلّا النار» ، فلمّا ذهب قال له جلساؤه «أهكذا كنت تفتينا فقد كنت تقول إنّ توبته مقبولة» فقال : «إنّي لأحسب السائل رجلا