بفعل المخادع جزءا وفاقا. فإطلاق الخداع على استدراج الله إيّاهم استعارة تمثيلية ، وحسنتها المشاكلة ؛ لأنّ المشاكلة لا تعدو أن تكون استعارة لفظ لغير معناه مع مزيد مناسبة مع لفظ آخر مثل اللفظ المستعار. فالمشاكلة ترجع إلى التلميح ، أي إذا لم تكن لإطلاق اللفظ على المعنى المراد علاقة بين معنى اللفظ والمعنى المراد إلّا محاكاة اللفظ ، سميّت مشاكلة كقول أبي الرقعمق.
قالوا : اقترح شيئا نجد لك طبخه |
|
قلت : أطبخوا لي جبّة وقميصا |
و «كسالى» جمع كسلان على وزن فعالى ، والكسلان المتّصف بالكسل ، وهو الفتور في الأفعال لسآمة أو كراهية. والكسل في الصلاة مؤذن بقلّة اكتراث المصلّي بها وزهده في فعلها ، فلذلك كان من شيم المنافقين. ومن أجل ذلك حذّرت الشريعة من تجاوز حدّ النشاط في العبادة خشية السآمة ، ففي الحديث «عليكم من الأعمال بما تطيقون فإنّ الله لا يملّ حتّى تملّوا». ونهى على الصلاة والإنسان يريد حاجته ، وعن الصلاة عند حضور الطعام ، كلّ ذلك ليكون إقبال المؤمن على الصلاة بشره وعزم ، لأنّ النفس إذا تطرّقتها السآمة من الشيء دبّت إليها كراهيته دبيبا حتّى تتمكّن منها الكراهية ، ولا خطر على النفس مثل أن تكره الخير.
و «كسالى» حال لازمة من ضمير (قامُوا) ، لأنّ قاموا لا يصلح أن يقع وحده جوابا ل «إذا» التي شرطها «قاموا» ، لأنّه لو وقع مجرّدا لكان الجواب عين الشرط ، فلزم ذكر الحال ، كقوله تعالى : (وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً) [الفرقان : ٧٢] وقول الأحوص الأنصاري :
فإذا تزول تزول عن متخمّط |
|
تخشى بوادره على الأقران |
وجملة (يُراؤُنَ النَّاسَ) حال ثانية ، أو صفة ل (كسالى) ، أو جملة مستأنفة لبيان جواب من يسأل : ما ذا قصدهم بهذا القيام للصلاة وهلّا تركوا هذا القيام من أصله ، فوقع البيان بأنّهم يراءون بصلاتهم الناس. و (يُراؤُنَ) فعل يقتضي أنّهم يرون الناس صلاتهم ويريهم الناس. وليس الأمر كذلك ، فالمفاعلة هنا لمجرد المبالغة في الإراءة ، وهذا كثير في باب المفاعلة.
وقوله : (وَلا يَذْكُرُونَ اللهَ إِلَّا قَلِيلاً) معطوف على (يُراؤُنَ) إن كان (يُراؤُنَ) حالا أو صفة ، وإن كان (يُراؤُنَ) استئناف فجملة (وَلا يَذْكُرُونَ) حال ، والواو واو الحال ، أي : ولا يذكرون الله بالصلاة ألّا قليلا. فالاستثناء إمّا من أزمنة الذكر ، أي إلّا