والابتلاء : الاختبار ، وحتّى ابتدائية ، وهي مفيدة للغاية ، لأنّ إفادتها الغاية بالوضع ، وكونها ابتدائية أو جارّة استعمالات بحسب مدخولها ، كما تقدّم عند قوله تعالى : (حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ) في سورة آل عمران [١٥٢]. و (إِذا) ظرف مضمّن معنى الشرط ، وجمهور النحاة على أنّ (حَتَّى) الداخلة على (إِذا) ابتدائية لا جارّة.
والمعنى : ابتلوا اليتامى حتّى وقت إن بلغوا النكاح فادفعوا إليهم أموالهم وما بعد ذلك ينتهي عنده الابتلاء ، وحيث علم أنّ الابتلاء لأجل تسليم المال فقد تقرّر أنّ مفهوم الغاية مراد منه لازمه وأثره ، وهو تسليم الأموال. وسيصرّح بذلك في جواب الشرط الثاني.
والابتلاء هنا : هو اختبار تصرّف اليتيم في المال باتّفاق العلماء ، قال المالكية : يدفع لليتيم شيء من المال يمكنه التصرّف فيه من غير إجحاف ، ويردّ النظر إليه في نفقة الدار شهرا كاملا ، وإن كانت بنتا يفوّض إليها ما يفوّض لربّه المنزل ، وضبط أموره ، ومعرفة الجيّد من الرديء ، ونحو ذلك ، بحسب أحوال الأزمان والبيوت. وزاد بعض العلماء الاختبار في الدين ، قاله الحسن ، وقتادة ، والشافعي. وينبغي أن يكون ذلك غير شرط إذ مقصد الشريعة هنا حفظ المال ، وليس هذا الحكم من آثار كليّة حفظ الدين.
وبلوغ النكاح على حذف مضاف ، أي بلوغ وقت النكاح أي التزوّج ، وهو كناية عن الخروج من حالة الصبا للذكر والأنثى ، وللبلوغ علامات معروفة ، عبّر عنها في الآية ببلوغ النكاح بناء على المتعارف عند العرب من التبكير بتزويج البنت عن البلوغ. ومن طلب الرجل الزواج عند بلوغه ، وبلوغ صلاحية الزواج تختلف باختلاف البلاد في الحرارة والبرودة ، وباختلاف أمزجة أهل البلد الواحد في القوّة والضعف ، والمزاج الدموي والمزاج الصفراوي ، فلذلك أحاله القرآن على بلوغ أمد النكاح ، والغالب في بلوغ البنت أنّه أسبق من بلوغ الذكر ، فإن تخلّفت عن وقت مظنّتها فقال الجمهور : يستدلّ بالسنّ الذي لا يتخلّف عنه أقصى البلوغ عادة ، فقال مالك ، في رواية ابن القاسم عنه : هو ثمان عشرة سنة للذكور والإناث ، وروي مثله عن أبي حنيفة في الذكور ، وقال : في الجاري سبع عشرة سنة ، وروى غير ابن القاسم عن مالك أنّه سبع عشرة سنة. والمشهور عن أبي حنيفة : أنّه تسع عشرة سنة للذكور وسبع عشرة للبنات ، وقال الجمهور : خمس عشرة سنة. قاله القاسم بن محمد ، وسالم بن عبد الله بن عمر ، وإسحاق ، والشافعي ، وأحمد ، والأوزاعي ، وابن الماجشون ، وبه قال أصبغ ، وابن وهب ، من أصحاب مالك ، واختاره الأبهري من المالكية ، وتمسّكوا بحديث ابن عمر أنّه عرضه رسول الله صلىاللهعليهوسلم يوم بدر وهو