ومحمد ، والنصارى يقولون : نؤمن بالله وبموسى وعيسى ونكفر بمحمد ، فآمنوا بالله وبعض رسله ظاهرا وفرّقوا بينه وبين بعض رسله.
والإرادة في قوله (وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً) إرادة حقيقية. والسبيل يحتمل أن يراد به سبيل النجاة من المؤاخذة في الآخرة توهّما أنّ تلك حيلة تحقّق لهم السلامة على تقدير سلامة المؤمنين ، أو سبيل التنصّل من الكفر ببعض الرسل ، أو سبيلا بين دينين ، وهذان الوجهان الأخيران يناسبان انتقالهم من الكفر الظاهر إلى النفاق ، فكأنّهما تهيئة للنفاق.
وهذا التفسير جار على ظاهر نظم الكلام ، وهو أن يكون حرف العطف مشرّكا بين المتعاطفات في حكم المعطوف عليه ، وإذ قد كان المعطوف عليه الأول صلة للذين ، كان ما عطف عليه صلات لذلك الموصول وكان ذلك الموصول صاحب تلك الصّلات كلّها.
ونسب إلى بعض المفسّرين أنّه جعل الواوات فيها بمعنى (أو) وجعل الموصول شاملا لفرق من الكفّار تعدّدت أحوال كفرهم على توزيع الصّلات المتعاطفة ، فجعل المراد بالذين يكفرون بالله ورسله المشركين ، والذين يريدون أن يفرّقوا بين الله ورسله قوما أثبتوا الخالق وأنكروا النبوءات كلّها ، والذين يقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض اليهود والنصارى. وسكت عن المراد من قوله : (وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً) ، ولو شاء لجعل أولئك فريقا آخر : وهم المنافقون المتردّدون الذين لم يثبتوا على إيمان ولا على كفر ، بل كانوا بين الحالين ، كما قال تعالى : (مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ) [النساء : ١٤٣]. والذي دعاه إلى هذا التأويل أنّه لم يجد فريقا جمع هذه الأحوال كلّها على ظاهرها لأنّ اليهود لم يكفروا بالله ورسله ، وقد علمت أنّ تأويل الكفر بالله الكفر بالصفات التي يستلزم الكفر بها نفي الإلهية.
وهذا الأسلوب نادر الاستعمال في فصيح الكلام ، إذ لو أريد ذلك لكان الشأن أن يقال : والذين يريدون أن يفرّقوا بين الله ورسله والذين يقولون : نؤمن ببعض ونكفر ببعض ، كما قال : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا) [الأنفال : ٧٢].
وقوله : (أُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ حَقًّا) الجملة خبر إنّ والإشارة إلى أصحاب تلك الصلة الماضية ، وموقع الإشارة هنا لقصد التنبيه على أنّ المشار إليهم لاستحضارهم بتلك