الأوصاف أحرياء بما سيحكم عليهم من الحكم المعاقب لاسم الإشارة.
وأفاد تعريف جزأي الجملة والإتيان بضمير الفصل تأكيد قصر صفة الكفر عليهم ، وهو قصر ادّعائي مجازيّ بتنزيل كفر غيرهم في جانب كفرهم منزلة العدم ، كقوله تعالى في المنافقين : (هُمُ الْعَدُوُّ) [المنافقون : ٤]. ومثل هذا القصر يدلّ على كمال الموصوف في تلك الصفة المقصورة.
ووجه هذه المبالغة : أنّ كفرهم قد اشتمل على أحوال عديدة من الكفر ، وعلى سفالة في الخلق ، أو سفاهة في الرأي بمجموع ما حكي عنهم من تلك الصلاة ، فإنّ كلّ خصلة منها إذا انفردت هي كفر ، فكيف بها إذا اجتمعت.
و (حَقًّا) مصدر مؤكّد لمضمون الجملة التي قبله ، أي حقّهم حقّا أيّها السامع بالغين النهاية في الكفر ، ونظير هذا قولهم : (جدّا). والتوكيد في مثل هذا لمضمون الجملة التي قبله على ما أفادته الجملة ، وليس هو لرفع المجاز ، فهو تأكيد لما أفادته الجملة من الدلالة على معنى النهاية لأنّ القصر مستعمل في ذلك المعنى ، ولم يقصد بالتوكيد أن يصير القصر حقيقيّا لظهور أنّ ذلك لا يستقيم ، فقول بعض النحاة ، في المصدر المؤكّد لمضمون الجملة : إنّه يفيد رفع احتمال المجاز ، بناء منهم على الغالب في مفاد التأكيد.
و (أَعْتَدْنا) معناه هيّأنا وقدّرنا ، والتاء في (أَعْتَدْنا) بدل من الدال عند كثير من علماء اللغة ، وقال كثير منهم : التاء أصلية ، وأنّه بناء على حدة هو غير بناء عدّ. وقال بعضهم : إنّ عتد هو الأصل وأنّ عدّ أدغمت منه التاء في الدال ، وقد ورد البناءان كثيرا في كلامهم وفي القرآن.
وجيء بجملة (وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ) إلى آخرها ؛ لمقابلة المسيئين بالمحسنين ، والنذارة بالبشارة على عادة القرآن. والمراد بالذين آمنوا المؤمنون كلّهم وخاصّة من آمنوا من أهل الكتاب كعبد الله بن سلام. فهم مقصودون ابتداء لما أشعر به موقع هذه الجملة بعد ذكر ضلالهم ولما اقتضاه تذييل الجملة بقوله : (وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً) أي غفورا لهم ما سلف من كفرهم ، رحيما بهم.
والقول في الإتيان بالموصول وباسم الإشارة في هذه الجملة كالقول في مقابله. وقوله : (بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ) تقدّم الكلام على مثله في قوله تعالى : (لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) في سورة البقرة [١٣٦].