الشكّ عن الحديث لا عن المحدّث عنه. وتعقّبه ابن عرفة بما يؤول إلى تأييد ردّ ابن عبد السلام.
وقوله : (رُسُلاً) حال من المذكورين ، وقد سمّاهم رسلا لما قدّمناه ، وهي حال موطّئة لصفتها ، أعني مبشّرين ؛ لأنّه المقصود من الحال.
وقوله : (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ) تعليل لقوله : (مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ) ولا يصحّ جعله تعليلا لقوله : (إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ) لأنّ ذلك مسوق لبيان صحّة الرسالة مع الخلوّ عن هبوط كتاب من السماء ردّا على قولهم : (حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ) [الإسراء : ٩٣]. فموقع قوله : (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ) موقع الإدماج تعليما للأمّة بحكمة من الحكم في بعثته الرسل.
والحجّة ما يدلّ على صدق المدّعي وحقّيّة المعتذر ، فهي تقتضي عدم المؤاخذة بالذنب أو التقصير. والمراد هنا العذر البيّن الذي يوجب التنصّل من الغضب والعقاب. فإرسال الرسل لقطع عذر البشر إذا سئلوا عن جرائم أعمالهم ، واستحقّوا غضب الله وعقابه. فعلم من هذا أنّ للنّاس قبل إرسال الرسل حجّة إلى الله أن يقولوا : (لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آياتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) [القصص : ٤٧].
وأشعرت الآية أنّ من أعمال النّاس ما هو بحيث يغضب الله ويعاقب عليه ، وهي الأفعال التي تدلّ العقول السليمة على قبحها لإفضائها إلى الفساد والأضرار البيّنة. ووجه الإشعار أنّ الحجّة إنّما تقابل محاولة عمل ما ، فلمّا بعث الله الرسل لقطع الحجّة علمنا أنّ الله حين بعث الرسل كان بصدد أن يؤاخذ المبعوث إليهم ، فاقتضت رحمته أن يقطع حجّتهم ببعثة الرسل وإرشادهم وإنذارهم ، ولذلك جعل قطع الحجّة علّة غائيّة للتبشير والإنذار : إذ التبشير والإنذار إنّما يبيّنان عواقب الأعمال ، ولذلك لم يعلّل بعثه الرسل بالتنبيه إلى ما يرضي الله وما يسخطه.
فهذه الآية ملجئة جميع الفرق إلى القول بأنّ بعثة الرسل تتوقّف عليها المؤاخذة بالذنوب ، وظاهرها أنّ سائر أنواع المؤاخذة تتوقّف عليها ، سواء في ذلك الذنوب الراجعة إلى الاعتقاد ، والراجعة إلى العمل ، وفي وجوب معرفة الله. فإرسال الرسل عندنا من تمام العدل من الله لأنّه لو لم يرسلهم لكانت المؤاخذة بالعذاب مجرّد الإطلاق الذي تقتضيه الخالقية إذ لا يسأل عمّا يفعل ، وكانت عدلا بالمعنى الأعمّ.