في ذلك أحاديث رواها الدار قطني ، والترمذي ، وأبو داود. وقيل : إذا كان قويا ولا مال له جاز له أخذ الصدقة ، وهو المنقول عن مالك واختاره الترمذي. والكيا الطبري من الشافعية.
وأمّا العاملون عليها فهم يتعيّنون بتعيين الأمير ، وعن ابن عمر يعطون على قدر عملهم من الأجرة. وهو قول مالك وأبي حنيفة.
وأمّا المؤلفة قلوبهم فقد أعطاهم النبي صلىاللهعليهوسلم عطايا متفاوتة من الصدقات وغيرها. فأمّا الصدقات فلهم حقّ فيها بنصّ القرآن ، وأما غير الصدقات فبفعل النبي صلىاللهعليهوسلم ، واستمرّ عطاؤهم في خلافة أبي بكر ، وزمن من خلافة عمر ، وكانوا يعطون بالاجتهاد ، ولم يكونوا يعيّنون لهم ثمن الصدقات ثم اختلف العلماء في استمرار هذا المصرف ، وهي مسألة غريبة لأنّها مبنية على جواز النسخ بدليل العقل وقياس الاستنباط أي دون وجود أصل يقاس عليه نظيره وفي كونها مبنيّة على هذا الأصل نظر. وإنّما بناؤها على أنّه إذا تعطّل المصرف فلمن يردّ سهمه وينبغي أن تقاس على حكم سهم من مات من أهل الحبس أنّ نصيبه يصير إلى بقية المحبس عليهم. وعن عمر بن الخطاب أنّه انقطع سهمهم بعزة الإسلام ، وبه قال الحسن ، والشعبي ، ومالك بن أنس وأبو حنيفة ، وقد قيل : إنّ الصحابة أجمعوا على سقوط سهم المؤلّفة قلوبهم من عهد خلافة أبي بكر حكاه القرطبي ، ولا شكّ أن عمر قطع إعطاء المؤلّفة قلوبهم مع أنّ صنفهم لا يزال موجودا ، رأى أنّ الله أغنى دين الإسلام بكثرة أتباعه فلا مصلحة للإسلام في دفع أموال المسلمين لتأليف قلوب من لم يتمكّن الإسلام من قلوبهم ، ومن العلماء من جعل فعل عمر وسكوت الصحابة عليه إجماعا سكوتيا فجعلوا ذلك ناسخا لبعض هذه الآية وهو من النسخ بالإجماع ، وفي عدّ الإجماع السكوتي في قوة الإجماع القولي نزاع بين أئمّة الأصول وفي هذا البناء نظر ، كما علمت آنفا وقال كثير من العلماء : هم باقون إذا وجدوا فإنّ الإمام ربما احتاج إلى أن يستألف على الإسلام ، وبه قال الزهري ، وعمر بن عبد العزيز ، والشافعي ، وأحمد بن حنبل ، واختاره عبد الوهاب ، وابن العربي ، من المالكية قال ابن العربي : «الصحيح عندي أنّه إن قوي الإسلام زالوا وإن احتيج إليهم أعطوا». أي فهو يرى بقاء هذا المصرف ويرى أنّ عدم إعطائهم في زمن عمر لأجل عزة الإسلام ، وهذا هو الذي صحّحه المتأخّرون. قال ابن الحاجب في «المختصر» «والصحيح بقاء حكمهم إن احتيج إليهم». وهذا الذي لا ينبغي تقلّد غيره.