وأمّا الرقاب فالجمهور على أنّ معنى (وَفِي الرِّقابِ) في شراء الرقيق للعتق ، ودفع ما على المكاتب من مال تحصل به حريته ، وهو رواية المدنيين عن مالك ، وقيل لا يعان بها المكاتب ولو كان آخر نجم تحصل به حريته ، وروي عن مالك من رواية غير المدنيين عنه. وقيل : لا تعطى إلّا في إعانة المكاتب على نجومه ، دون العتق ، وهو قول الليث ، والنخعي ، والشافعي. واختلف في دفع ذلك في عتق بعض عبد أو نجوم كتابة ليس بها تمام حرية المكاتب ، فقيل : لا يجوز ، وبه قال مالك والزهري وقيل يجوز ذلك. وفداء الأسرى من فك الرقاب على الأصحّ من المذهب ، وهو لابن عبد الحكم ، وابن حبيب ، خلافا لأصبغ ، من المالكية.
وأما الغارمون فشرطهم أن لا يكون دينهم في معصية إلّا أن يتوبوا. والميت المدين الذي لا وفاء لدينه في تركته يعدّ من الغارمين عند ابن حبيب ، خلافا لابن الموّاز.
وسبيل الله لم يختلف أنّ الغزو هو المقصود ، فيعطى الغزاة المحتاجون في بلد الغزو ، وإن كانوا أغنياء في بلدهم ، وأمّا الغزاة الأغنياء في بلد الغزو فالجمهور أنّهم يعطون. وبه قال مالك ، والشافعي ، وإسحاق ، وقال أبو حنيفة : لا يعطون. والحق أنّ سبيل الله يشمل شراء العدّة للجهاد من سلاح ، وخيل ، ومراكب بحرية ، ونوتية ، ومجانيق ، وللحملان ، ولبناء الحصون ، وحفر الخنادق ، وللجواسيس الذين يأتون بأخبار العدوّ ، قاله محمد بن عبد الحكم من المالكية ولم يذكر أنّ له مخالفا ، وأشعر كلام القرطبي في التفسير أنّ قول ابن عبد الحكم مخالف لقول الجمهور. وذهب بعض السلف أنّ الحجّ من سبيل الله يدخل في مصارف الصدقات ، وروي عن ابن عمر ، وأحمد ، وإسحاق. وهذا اجتهاد وتأويل ، قال ابن العربي : «وما جاء أثر قطّ بإعطاء الزكاة في الحجّ».
وأما ابن السبيل فلم يختلف في الغريب المحتاج في بلد غربته أنّه مراد ولو وجد من يسلفه ، إذ ليس يلزمه أن يدخل نفسه تحت منّة. واختلف في الغني : فالجمهور قالوا : لا يعطى ؛ وهو قول مالك ، وقال الشافعي وأصبغ : يعطى ولو كان غنيا في بلد غربته.
وقوله : (فَرِيضَةً مِنَ اللهِ) منصوب على أنّه مصدر مؤكّد لمصدر محذوف يدلّ عليه قوله : (إِنَّمَا الصَّدَقاتُ) لأنّه يفيد معنى فرض الله أو أوجب ، فأكّد بفريضة من لفظ المقدّر ومعناه.
والمقصود من هذا تعظيم شأن هذا الحكم والأمر بالوقوف عنده.