الْكُفْرِ) ، ولم يكن لما بعده مزيد اتّصال به.
وأيّا ما كان فالجملة مستحقّة الفصل دون العطف.
ومفعول ما قالوا محذوف دلّ عليه قوله : (وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ).
وأكّد صدور كلمة الكفر منهم ، في مقابلة تأكيدهم نفي صدورها ، بصيغة القسم ليكون تكذيب قولهم مساويا لقولهم في التأكيد.
وكلمة الكفر الكلام الدالّ عليه ، وأصل الكلمة اللفظ الواحد الذي يتركّب منه ومن مثله الكلام المفيد ، وتطلق الكلمة على الكلام إذا كان كلاما جامعا موجزا كما في قوله تعالى : (كَلَّا إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها) [المؤمنون : ٨] وفي الحديث : «أصدق كلمة قالها شاعر كلمة لبيد : ألا كلّ شيء ما خلا الله باطل».
فكلمة الكفر جنس لكلّ كلام فيه تكذيب النبي صلىاللهعليهوسلم ، كما أطلقت كلمة الإسلام على شهادة أن لا إله إلا الله وأنّ محمدا رسول الله. فالكلمات الصادرة عنهم على اختلافها ، ما هي إلّا أفراد من هذا الجنس كما دلّ عليه إسناد القول إلى ضمير جماعة المنافقين. فعن قتادة : لا علم لنا بأنّ ذلك من أيّ إذ كان لا خبر يوجب الحجّة ونتوصّل به إلى العلم.
وقيل : المراد كلمة صدرت من بعض المنافقين تدلّ على تكذيب النبي صلىاللهعليهوسلم فعن عروة بن الزبير ، ومجاهد ، وابن إسحاق أنّ الجلاس ـ بضم الجيم وتخفيف اللام ـ بن سويد بن الصامت قال : لئن كان ما يقول محمد حقّا لنحن أشرّ من حميرنا هذه التي نحن عليها ، فأخبر عنه ربيبه النبي فدعاه النبي وسأله عن مقالته ، فحلف بالله ما قال ذلك ، وقيل : بل نزلت في عبد الله بن أبي بن سلول لقوله الذي حكاه الله عنه بقوله : (يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَ) [المنافقون : ٨] فسعى به رجل من المسلمين فأرسل إليه رسول الله فسأله فجعل يحلف بالله ما قال ذلك.
فعلى هذه الروايات يكون إسناد القول إلى ضمير جمع كناية عن إخفاء اسم القائل كما يقال ما بال أقوام يفعلون كذا. وقد فعله واحد ، أو باعتبار قول واحد وسماع البقية فجعلوا مشاركين في التبعة كما يقال : بنو فلان قتلوا فلانا وإنّما قتله واحد من القبيلة ، وعلى فرض صحّة وقوع كلمة من واحد معيّن فذلك لا يقتضي أنّه لم يشاركه فيها غيره لأنّهم كانوا يتآمرون على ما يختلقونه. وكان ما يصدر من واحد منهم يتلقفه جلساؤه