والزهري ، ورواه ابن وهب عن مالك ، قال مالك : لا نشك أن يوم الحج الأكبر يوم النحر لأنّه اليوم الذي ترمى فيه الجمرة ، وينحر فيه الهدي ، وينقضي فيه الحج ، من أدرك ليلة النحر فوقف بعرفة قبل الفجر أدرك الحج.
وأقول : إن يوم عرفة يوم شغل بعبادة من وقوف بالموقف ومن سماع الخطبة. فأما يوم منى فيوم عيدهم.
و (الْأَكْبَرِ) بالجرّ نعت للحجّ ، باعتبار تجزئته إلى أعمال ، فوصف الأعظم من تلك الأعمال بالأكبر ، ويظهر من اختلافهم في المراد من الحجّ الأكبر أنّ هذا اللفظ لم يكن معروفا قبل نزول هذه الآية فمن ثم اختلف السلف في المراد منه.
وهذا الكلام إنشاء لهذا الأذان ، موقّتا بيوم الحجّ الأكبر ، فيؤوّل إلى معنى الأمر ، إذ المعنى آذنوا الناس يوم الحجّ الأكبر بأنّ الله ورسوله بريئان من المشركين.
والمراد ب (النَّاسِ) جميع الناس الذين ضمّهم الموسم ، ومن يبلغه ذلك منهم : مؤمنهم ومشركهم ، لأنّ هذا الأذان ممّا يجب أن يعلمه المسلم والمشرك ، إذ كان حكمه يلزم الفريقين.
وقوله : (أَنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) يتعلّق ب (أَذانٌ) بحذف حرف الجرّ ـ وهو باء التعدية ـ أي إعلام بهذه البراءة المتقدّمة في قوله : (بَراءَةٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ) [التوبة : ١] فإعادتها هنا لأنّ هذا الإعلام للمشركين المعاهدين وغيرهم ، تقريرا لعدم غدر المسلمين ، والآية المتقدّمة إعلام للمسلمين.
وجاء التصريح بفعل البراءة مرّة ثانية دون إضمار ولا اختصار بأن يقال : وأذان إلى الناس بذلك ، أو بها ، أو بالبراءة ، لأنّ المقام مقام بيان وإطناب لأجل اختلاف أفهام السامعين فيما يسمعونه ، ففيهم الذّكي والغبي ، ففي الإطناب والإيضاح قطع لمعاذيرهم واستقصاء في الإبلاغ لهم.
وعطف (وَرَسُولِهِ) بالرفع ، عند القرّاء كلّهم : لأنّه من عطف الجملة ، لأنّ السامع يعلم من الرفع أنّ تقديره : ورسوله بريء من المشركين ، ففي هذا الرفع معنى بليغ من الإيضاح للمعنى مع الإيجاز في اللفظ ، وهذه نكتة قرآنيّة بليغة ، وقد اهتدى بها ضابئ بن الحارث في قوله :
ومن يك أمسى بالمدينة رحله |
|
فإنّي وقيّار بها لغريب |