كالذين نسوه أو تناسوه حين لم يخفوا إلى النفير الذي استنفروه إشارة إلى أن الوعد بذلك قديم متكرر معروف في الكتب السماوية.
والاشتراء : مستعار للوعد بالجزاء عن الجهاد ، كما دل عليه قوله : (وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا) بمشابهة الوعد الاشتراء في أنه إعطاء شيء مقابل بذل من الجانب الآخر.
ولما كان شأن الباء أن تدخل على الثمن في صيغ الاشتراء أدخلت هنا في (بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ) لمشابهة هذا الوعد الثمن. وليس في هذا التركيب تمثيل إذ ليس ثمة هيئة مشبهة وأخرى مشبه بها.
والمراد بالمؤمنين في الأظهر أن يكون مؤمني هذه الأمة. وهو المناسب لقوله بعد : (فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ).
ويكون معنى قوله : (وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ) ما جاء في التوراة والإنجيل من وصف أصحاب الرسول الذي يختم الرسالة. وهو ما أشار إليه قوله تعالى : (وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ) ـ إلى قوله ـ (ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ) ـ إلى قوله ـ (لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ) [الفتح : ٢٩].
ويجوز أن يكون جميع المؤمنين بالرسل ـ عليهم الصلاة والسلام ـ وهو أنسب لقوله : (فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ) ، وحينئذ فالمراد الذين أمروا منهم بالجهاد ومن أمروا بالصبر على اتباع الدين من أتباع دين المسيحية على وجهها الحق فإنهم صبروا على القتل والتعذيب. فإطلاق المقاتلة في سبيل الله على صبرهم على القتل ونحوه مجاز ، وبذلك يكون فعل (يُقاتِلُونَ) مستعملا في حقيقته ومجازه.
واللام في (لَهُمُ الْجَنَّةَ) للملك والاستحقاق. والمجرور مصدر ، والتقدير : بتحقيق تملكهم الجنة ، وإنما لم يقل بالجنة لأن الثمن لما كان آجلا كان هذا البيع من جنس السلم.
وجملة : (يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ) مستأنفة استئنافا بيانيا ، لأن اشتراء الأنفس والأموال لغرابته في الظاهر يثير سؤال من يقول : كيف يبذلون أنفسهم وأموالهم؟ فكان جوابه (يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ) إلخ.
قال الطيبي : «فقوله (يُقاتِلُونَ) بيان ، لأن مكان التسليم هو المعركة ، لأن هذا البيع سلم ، ومن ثم قيل (بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ) ولم يقل بالجنة. وأتي بالأمر في صورة الخبر ثم