ألزم الله البيع من جانبه وضمن إيصال الثمن إليهم بقوله : (وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا) ، أي لا إقالة ولا استقالة من حضرة العزة. ثم ما اكتفى بذلك بل عين الصكوك المثبت فيها هذه المبايعة وهي التوراة والإنجيل والقرآن» اه. وهو يرمي بهذا إلى أن تكون الآية تتضمن تمثيلا عكس ما فسرنا به آنفا.
وقوله : (فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ) تفريع على (يُقاتِلُونَ) ، لأن حال المقاتل لا تخلو من أحد هذين الأمرين. وقرأ الجمهور (فَيَقْتُلُونَ) بصيغة المبني للفاعل وما بعده بصيغة المبني للمفعول. وقرأ حمزة والكسائي بالعكس. وفي قراءة الجمهور اهتمام بجهادهم بقتل العدو ، وفي القراءة الأخرى اهتمام بسبب الشهادة التي هي أدخل في استحقاق الجنة.
و (وَعْداً) منصوب على المفعولية المطلقة من (اشْتَرى) ، لأنه بمعنى وعد إذ العوض مؤجل. و (حَقًّا) صفة (وَعْداً). و (عَلَيْهِ) ظرف لغو متعلق ب (حَقًّا) ، قدم على عامله للاهتمام بما دل عليه حرف (على) من معنى الوجوب.
وقوله : (فِي التَّوْراةِ) حال من (وَعْداً). والظرفية ظرفية الكتاب للمكتوب ، أي مكتوبا في التوراة والإنجيل والقرآن (١).
وجملة : (وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ) في موضع الحال من الضمير المجرور في قوله : (وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا) ، أي وعدا حقا عليه ولا أحد أوفى بعهده منه ، فالاستفهام إنكاري بتنزيل السامع منزلة من يجعل هذا الوعد محتملا للوفاء وعدمه كغالب الوعود فيقال : ومن أوفى بعهده من الله إنكارا عليه.
و (أَوْفى) اسم تفضيل من وفّى بالعهد إذا فعل ما عاهد على فعله.
و (مِنَ) تفضيلية ، وهي للابتداء عند سيبويه ، أي للابتداء المجازي. وذكر اسم الجلالة عوضا عن ضميره لإحضار المعنى الجامع لصفات الكمال. والعهد : الوعد بحلف والوعد المؤكد ، والبيعة عهد ، والوصية عهد.
وتفرع على كون الوعد حقا على الله ، وعلى أن الله أوفى بعهده من كل واعد ، أن يستبشر المؤمنون ببيعهم هذا ، فالخطاب للمؤمنين من هذه الأمة. وأضيف البيع إلى
__________________
(١) من ذلك ما في الاصحاح العشرين من سفر التثنية فهو في أحكام الحرب وما في الاصحاح من سفر يوشع. وفي الفقرة (٢٤) من الاصحاح الثامن عشر من إنجيل لوقا.