أي صلب الإنسان أو البعير ، لأنّ الظهر به قوة الإنسان في المشي والتغلّب ، وبه قوة البعير في الرحلة والحمل ، يقال : بعير ظهير ، أي قوي على الرحلة ، مثّل المعين لأحد على عمل بحال من يعطيه ظهره يحمل عليه ، فكأنّه يعيره ظهره ويعيره الآخر ظهره ، فمن ثمّ جاءت صيغة المفاعلة ، ومثله المعاضدة مشتقّة من العضد ، والمساعدة من الساعد ، والتأييد من اليد ، والمكاتفة مشتقّة من الكتف ، وكلّها أعضاء العمل.
ويجوز أن يكون فعله مشتقّا من الظهور ، وهو مصدر ضدّ الخفاء ، لأنّ المرء إذا انتصر على غيره ظهر حاله للناس ، فمثّل بالشيء الذي ظهر بعد خفاء ، ولذلك يعدى بحرف (على) للاستعلاء المجازي ، قال تعالى : (وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ) [التحريم : ٤] ـ وقال ـ (كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلا ذِمَّةً) [التوبة : ٨] ـ وقال ـ (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ) [الفتح : ٢٨] ـ وقال ـ (وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ) [التحريم : ٤] أي معين.
والفاء في قوله : (فَأَتِمُّوا) تفريع على ما أفاده استثناء قوله : (إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً) إلخ ، وهو أنّهم لا تشملهم البراءة من العهد.
والمدّة : الأجل ، مشتقّة من المدّ لأنّ الأجل مدّ في زمن العمل ، أي تطويل ، ولذلك يقولون : ماد القوم غيرهم ، إذا أجّلوا الحرب إلى أمد ، وإضافة المدّة إلى ضمير المعاهدين لأنّها منعقدة معهم ، فإضافتها إليهم كإضافتها إلى المسلمين ، ولكن رجّح هنا جانبهم ، لأنّ انتفاعهم بالأجل أصبح أكثر من انتفاع المسلمين به ، إذ صار المسلمون أقوى منهم ، وأقدر على حربهم.
وجملة : (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ) تذييل في معنى التعليل للأمر بإتمام العهد إلى الأجل بأنّ ذلك من التقوى ، أي من امتثال الشرع الذي أمر الله به ، لأنّ الإخبار بمحبة الله المتّقين عقب الأمر كناية عن كون المأمور به من التقوى.
ثم إنّ قبائل العرب كلّها رغبت في الإسلام فأسلموا في تلك المدّة فانتهت حرمة الأشهر الحرم في حكم الإسلام.
(فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٥))