لا تخلو من الركوع والسجود.
و (الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ) : الذين يدعون الناس إلى الهدى والرشاد وينهونهم عما ينكره الشرع ويأباه. وإنما ذكر الناهون عن المنكر بحرف العطف دون بقية الصفات ، وإن كان العطف وتركه في الأخبار ونحوها جائزين ، إلا أن المناسبة في عطف هذين دون غيرهما من الأوصاف أن الصفات المذكورة قبلها في قوله : (الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ) ظاهرة في استقلال بعضها عن بعض. ثم لما ذكر (الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ) علم أن المراد الجامعون بينهما ، أي المصلون بالنسبة إلى المسلمين. ولأن الموصوفين بالركوع والسجود ممن وعدهم الله في التوراة والإنجيل كانت صلاة بعضهم ركوعا فقط ، قال تعالى في شأن داود عليهالسلام : (وَخَرَّ راكِعاً وَأَنابَ) [ص : ٢٤] ، وبعض الصلوات سجودا فقط كبعض صلاة النصارى ، قال تعالى : (يا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ) [آل عمران : ٤٣]. ولما جاء بعده (الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ) وكانا صفتين مستقلتين عطفتا بالواو لئلا يتوهم اعتبار الجمع بينهما كالوصفين اللذين قبلهما وهما (الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ) فالواو هنا كالتي في قوله تعالى : (ثَيِّباتٍ وَأَبْكاراً) [التوبة : ١١٢].
و (الْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللهِ) : صفة جامعة للعمل بالتكاليف الشرعية عند توجهها. وحقيقة الحفظ توخي بقاء الشيء في المكان الذي يراد كونه فيه رغبة صاحبه في بقائه ورعايته عن أن يضيع. ويطلق مجازا شائعا على ملازمة العمل بما يؤمر به على نحو ما أمر به وهو المراد هنا ، أي والحافظون لما عين الله لهم ، أي غير المضيعين لشيء من حدود الله.
وأطلقت الحدود مجازا على الوصايا والأوامر. فالحدود تشمل العبادات والمعاملات لما تقدم في قوله تعالى : (تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلا تَعْتَدُوها) في سورة البقرة [٢٢٩]. ولذلك ختمت بها هذه الأوصاف. وعطفت بالواو لئلا يوهم ترك العطف أنها مع التي قبلها صفتان متلازمتان معدودتان بعد صفة الأمر بالمعروف.
وقال جمع من العلماء : إن الواو في قوله : (وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ) واو يكثر وقوعها في كلام العرب عند ذكر معدود ثامن ، وسمّوها واو الثّمانية. قال ابن عطية : ذكرها ابن خالويه في مناظرته لأبي علي الفارسي في معنى قوله تعالى : (حَتَّى إِذا جاؤُها وَفُتِحَتْ أَبْوابُها) [الزمر : ٧٣]. وأنكرها أبو علي الفارسي. وقال ابن هشام في «مغني