اللبيب» «وذكرها جماعة من الأدباء كالحريري ، ومن المفسرين كالثعلبي ، وزعموا أن العرب إذا عدّوا قالوا : ستة سبعة وثمانية ، إيذانا بأن السبعة عدد تام وأن ما بعدها عدد مستأنف ، واستدلّوا بآيات إحداها : (سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ) ـ إلى قوله سبحانه ـ (سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ) [الكهف : ٢٢]. ثم قال : الثانية آية الزمر [٧١] إذ قيل : (فُتِحَتْ) في آية النار لأن أبواب جهنم سبعة ، (وَفُتِحَتْ) [الزمر : ٧٣] في آية الجنة إذ أبوابها ثمانية. ثم قال : الثالثة : (وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ) فإنه الوصف الثامن. ثم قال : والرابعة : (وَأَبْكاراً) في آية التحريم [٥] ذكرها القاضي الفاضل وتبجح باستخراجها وقد سبقه إلى ذكرها الثعلبي ... وأما قول الثعلبي : أن منها الواو في قوله تعالى: (سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً) [الحاقة : ٧] فسهو بيّن وإنما هذه واو العطف اه. وأطال في خلال كلامه بردود ونقوض.
وقال ابن عطية «وحدثني أبي عن الأستاذ النحوي أبي عبد الله الكفيف المالقي (١) وأنه قال : هي لغة فصيحة لبعض العرب من شأنهم أن يقولوا إذا عدّوا : واحد ، اثنان ، ثلاثة ، أربعة ، خمسة ، ستة ، سبعة ، وثمانية ، تسعة ، عشرة ، فهكذا هي لغتهم. ومتى جاء في كلامهم أمر ثمانية أدخلوا الواو» اه.
وقال القرطبي : هي لغة قريش.
وأقول : كثر الخوض في هذا المعنى للواو إثباتا ونفيا ، وتوجيها ونقضا. والوجه عندي أنه استعمال ثابت ، فأما في المعدود الثامن فقد اطرد في الآيات القرآنية المستدل بها. ولا يريبك أن بعض المقترن بالواو فيها ليس بثامن في العدة لأن العبرة بكونه ثامنا في الذكر لا في الرتبة.
وأما اقتران الواو بالأمر الذي فيه معنى الثامن كما قالوا في قوله تعالى : (وَفُتِحَتْ أَبْوابُها) [الزمر : ٧٣]. فإن مجيء الواو لكون أبواب الجنة ثمانية ، فلا أحسبه إلا نكتة لطيفة جاءت اتفاقية. وسيجيء هذا عند قوله تعالى في سورة الزمر (حَتَّى إِذا جاؤُها فُتِحَتْ أَبْوابُها) [الزمر : ٧٣].
وجملة : (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) عطف على جملة (إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) [التوبة :
__________________
(١) قال ابن عطية وكان ممن استوطن غرناطة وأقرأ فيها في مدة ابن حبوس (أي ديس بن حبوس الذي تملك غرناطة من سنة ٤٢٠ إلى أن توفي سنة ٤٦٥).