والاستفهام ب (كَيْفَ) : إنكاري إنكارا لحالة كيان العهد بين المشركين وأهل الإسلام ، أي دوام العهد في المستقبل مع الذين عاهدوهم يوم الحديبية وما بعده ففعل (يَكُونُ) مستعمل في معنى الدوام مثل قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللهِ) [النساء : ١٣٦] كما دلّ عليه قوله بعده (فَمَا اسْتَقامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ). وليس ذلك إنكارا على وقوع العهد ، فإن العهد قد انعقد بإذن من الله ، وسمّاه الله فتحا في قوله : (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً) [الفتح : ١] وسمّي رضى المؤمنين به يومئذ سكينة في قوله: (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ) [الفتح : ٤].
والمعنى : أنّ الشأن أن لا يكون لكم عهد مع أهل الشرك ، للبون العظيم بين دين التوحيد ودين الشرك ، فكيف يمكن اتّفاق أهليهما ، أي فما كان العهد المنعقد معهم إلّا أمرا موقّتا بمصلحة. ففي وصفهم بالمشركين إيماء إلى علّة الإنكار على دوام العهد معهم.
وهذا يؤيّد ما فسّرنا به وجه إضافة البراءة إلى الله ورسوله ، وإسناد العهد إلى ضمير المسلمين ، في قوله تعالى : (بَراءَةٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ) [التوبة : ١].
ومعنى (عِنْدَ) الاستقرار المجازي ، بمعنى الدوام أي إنّما هو عهد موقّت ، وقد كانت قريش نكثوا عهدهم الذي عاهدوه يوم الحديبية ، إذ أعانوا بني بكر بالسلاح والرجال على خزاعة ، وكانت خزاعة داخلة في عهد النبي صلىاللهعليهوسلم ، وكان ذلك سبب التجهيز لغزوة فتح مكة.
واستثناء (إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ) ، من معنى النفي الذي استعمل فيه الاستفهام ب (كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ) ، أي لا يكون عهد المشركين إلا المشركين الذين عاهدتم عند المسجد الحرام.
والذين عاهدوهم عند المسجد الحرام : هم بنو ضمرة ، وبنو جذيمة بن الدّيل ، من كنانة ؛ وبنو بكر من كنانة.
فالموصول هنا للعهد ، وهم أخصّ من الذين مضى فيهم قوله : (إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً) [التوبة : ٤].
والمقصود من تخصيصهم بالذكر : التنويه بخصلة وفائهم بما عاهدوا عليه ويتعيّن أن يكون هؤلاء عاهدوا النبي صلىاللهعليهوسلم في عمرة القضاء عند المسجد الحرام ، ودخلوا في الصلح الذي عقده مع قريش بخصوصهم ، زيادة على دخولهم في الصلح الأعمّ ، ولم ينقضوا