ذلك لإبطانهم الغدر ، والذين أمر بإتمام عهدهم إلى مدّتهم ما استقاموا على العهد بقوله : (إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ) [التوبة : ٤] الآيات ، والذين يستجيبون عطف على أولئك بيان الذين يعلنون بنكث العهد ، ويعلنون بما يسخط المسلمين من قولهم ، وهذا حال مضادّ لحال قوله : (وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْواهِهِمْ وَتَأْبى قُلُوبُهُمْ) [التوبة : ٨].
والنكث تقدّم عند قوله تعالى : (فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلى أَجَلٍ هُمْ بالِغُوهُ إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ) في الأعراف [١٣٥].
وعبر عن نقض العهد بنكث الأيمان تشنيعا للنكث ، لأنّ العهد كان يقارنه اليمين على الوفاء ولذلك سمّي العهد حلفا.
وزيد قوله : (مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ) زيادة في تسجيل شناعة نكثهم : بتذكير أنّه غدر لعهد ، وحنث باليمين.
والطعن حقيقته خرق الجسم بشيء محدد كالرمح ، ويستعمل مجازا بمعنى الثلب. والنسبة إلى النقص ، بتشبيه عرض المرء ، الذي كان ملتئما غير منقوص ، بالجسد السليم. فإذا أظهرت نقائصه بالثلب والشتم شبّه بالجلد الذي أفسد التحامه.
والأمر ، هنا : للوجوب ، وهي حالة من أحوال الإذن المتقدّم في قوله تعالى : (فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ) [التوبة : ٥] ففي هذه الحالة يجب قتالهم ذبّا عن حرمة الدين ، وقمعا لشرّهم من قبل أن يتمرّدوا عليه.
و (أَئِمَّةَ) جمع إمام ، وهو ما يجعل قدوة في عمل يعمل على مثاله ، أو على مثال عمله ، قال تعالى : (وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً) [القصص : ٥] أي مقتدى بهم ، وقال لبيد :
ولكلّ قوم سنة وإمامها
والإمام المثال الذي يصنع على شكله ، أو قدره ، مصنوع ، فأئمّة الكفر ، هنا : الذين بلغوا الغاية فيه ، بحيث صاروا قدوة لأهل الكفر.
والمراد بأئمّة الكفر : المشركون الذين نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم ، فوضع هذا الاسم موضع الضمير حين لم يقل : فقاتلوهم ، لزيادة التشنيع عليهم ببلوغهم هذه المنزلة من الكفر ، وهي أنّهم قدوة لغيرهم ، لأنّ الذين أضمروا النكث يبقون متردّدين بإظهاره ،