آثروا محبّته على محبّة علائقهم الدنيوية.
وأكّد الكلام ب (لَقَدْ) لتحقيق هذا النصر لأنّ القوم كأنّهم نسوه أو شكّوا فيه فنزلوا منزلة من يحتاج إلى تأكيد الخبر.
و (مَواطِنَ) : جمع موطن ، والموطن أصله مكان التوطّن ، أي الإقامة. ويطلق على مقام الحرب وموقفها ، أي نصركم في مواقع حروب كثيرة.
و (يَوْمَ) معطوف على الجار والمجرور من قوله : (فِي مَواطِنَ) فهو متعلّق بما تعلّق به المعطوف عليه وهو (نَصَرَكُمُ) والتقدير : ونصركم يوم حنين وهو من جملة المواطن ، لأنّ مواطن الحرب تقتضي أياما تقع فيها الحرب ، فتدلّ المواطن على الأيام كما تدلّ الأيام على المواطن ، فلمّا أضيف اليوم إلى اسم مكان علم أنّه موطن من مواطن النصر ولذلك عطف بالواو لأنّه لو لم يعطف لتوهّم أنّ المواطن كلّها في يوم حنين ، وليس هذا المراد. ولهذا فالتقدير : في مواطن كثيرة وأيام كثيرة منها موطن حنين ويوم حنين.
وتخصيص يوم حنين بالذكر من بين أيام الحروب : لأنّ المسلمين انهزموا في أثناء النصر ثم عاد إليهم النصر ، فتخصيصه بالذكر لما فيه من العبرة بحصول النصر عند امتثال أمر الله ورسوله ـ عليه الصلاة والسلام ـ وحصول الهزيمة عند إيثار الحظوظ العاجلة على الامتثال ، ففيه مثل وشاهد لحالتي الإيثارين المذكورين آنفا في قوله تعالى : (أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهادٍ فِي سَبِيلِهِ) [التوبة : ٢٤] ليتنبّهوا إلى أنّ هذا الإيثار قد يعرض في أثناء إيثار آخر ، فهم لمّا خرجوا إلى غزوة حنين كانوا قد آثروا محبّة الجهاد على محبّة أسبابهم وعلاقاتهم ، ثم هم في أثناء الجهاد قد عاودهم إيثار الحظوظ العاجلة على امتثال أمر الله ورسوله صلىاللهعليهوسلم الذي هو من آثار إيثار محبّتها ، وهي عبرة دقيقة حصل فيها الضّدان ولذلك كان موقع قوله : (إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ) بديعا لأنّه تنبيه على خطئهم في الأدب مع الله المناسب لمقامهم أي : ما كان ينبغي لكم أن تعتمدوا على كثرتكم.
و (حُنَيْنٍ) اسم واد بين مكة والطائف قرب ذي المجاز ، كانت فيه وقعة عظيمة عقب فتح مكة بين المسلمين مع النبي صلىاللهعليهوسلم ، وكانوا اثني عشر ألفا ، وبين هوازن وثقيف وألفا فهما ، إذ نهضوا لقتال النبي صلىاللهعليهوسلم حمية وغضبا لهزيمة قريش ولفتح مكة ، وكان على هوازن مالك بن عوف ، أخو بني نصر ، وعلى ثقيف عبد ياليل بن عمرو الثقفي ، وكانوا في عدد كثير وساروا إلى مكة فخرج إليهم النبي صلىاللهعليهوسلم حتّى اجتمعوا بحنين فقال المسلمون : لن نغلب اليوم من قلّة ، ووثقوا بالنصر لقوّتهم ، فحصلت لهم هزيمة عند أوّل اللقاء كانت