للمستقبل ، على ما هو الغالب فيها ، وكان قوله : (إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً) [التوبة : ٣٩] تحذيرا من ترك الخروج إلى غزوة تبوك ، وهذا كلّه بعيد ممّا ثبت في «السيرة» وما ترجّح في نزول هذه السورة.
و (ما) في قوله : و (ما لَكُمْ) اسم استفهام إنكاري ، والمعنى : أي شيء ، و (لَكُمْ) خبر عن الاستفهام أي : أي شيء ثبت لكم.
و (إِذا) ظرف تعلّق بمعنى الاستفهام الإنكاري على معنى : أنّ الإنكار حاصل في ذلك الزمان الذي قيل لهم فيه : انفروا ، وليس مضمّنا معنى الشرط لأنّه ظرف مضيّ.
وجملة (اثَّاقَلْتُمْ) في موضع الحال من ضمير الجماعة ، وتلك الحالة هي محل الإنكار ، أي : ما لكم متثاقلين. يقال : ما لك فعلت كذا ، وما لك تفعل كذا كقوله : (ما لَكُمْ لا تَناصَرُونَ) [الصافات : ٢٥] ، وما لك فاعلا ، كقوله : (فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ) [النساء : ٨٨].
والنّفر : الخروج السريع من موضع إلى غيره لأمر يحدث ، وأكثر ما يطلق على الخروج إلى الحرب ، ومصدره حينئذ النفير.
وسبيل الله : الجهاد ، سمّي بذلك لأنّه كالطريق الموصّل إلى الله ، أي إلى رضاه.
و (اثَّاقَلْتُمْ) أصله تثاقلتم قلبت التاء المثنّاة ثاء مثلّثة لتقارب مخرجيهما طلبا للإدغام ، واجتلبت همزة الوصل لإمكان تسكين الحرف الأول من الكلمة عند إدغامه.
(والتثاقل) تكلّف الثقل ، أي إظهار أنّه ثقيل لا يستطيع النهوض.
والثقل حالة في الجسم تقتضي شدّة تطلّبه للنزول إلى أسفل ، وعسر انتقاله ، وهو مستعمل هنا في البطء مجازا مرسلا ، وفيه تعريض بأنّ بطأهم ليس عن عجز ، ولكنّه عن تعلّق بالإقامة في بلادهم وأموالهم.
وعدّي التثاقل ب (إِلَى) لأنّه ضمن معنى الميل والإخلاد ، كأنّه تثاقل يطلب فاعله الوصول إلى الأرض للقعود والسكون بها.
والأرض ما يمشي عليه الناس.
ومجموع قوله : (اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ) تمثيل لحال الكارهين للغزو المتطلّبين للعذر عن الجهاد كسلا وجبنا بحال من يطلب منه النهوض والخروج ، فيقابل ذلك الطلب