عن روايته. وهو غير لازم في الجنون ، ولو فرض تحققه فحيث لا يعتد برأيه الأخير ـ كما سبق ـ لا يصلح للمنع من حجية رأيه الأول ، نظير عدول المجنون عن روايته التي رواها حال عقله.
هذا ، وربما يستدل على مانعية الجنون من التقليد حدوثا ، بل بقاء ببعض الوجوه الاخرى التي لا مجال لإطالة الكلام فيها ، لضعفها ، وقد تعرضنا لها في الفقه ، كما يأتي التعرض عند الكلام في مانعية الموت لما ينفع في المقام.
نعم ، الظاهر أن الجنون المطبق عندهم ليس أخف من الموت ، فلو فرض الإجماع منهم على اعتبار الحياة في المفتي فليس المراد منها إلا الحياة الملازمة لفعلية الرأي عرفا غير الحاصلة معه ، فيلحقه ما يأتي في تقليد الميت. بخلاف الجنون الأدواري ، لأنه من سنخ المرض الذي لا ينافي نسبة الرأي لصاحبه عرفا ، بل لا يبعد شمول ادلة التقليد الشرعية له ، لصدق عنوان العالم والفقيه ونحوهما مما أخذ فيها عرفا عليه.
فالبناء على جواز تقليده هو الأنسب بالأدلة. ولعله لذا حكي القول به عن بعض متأخري المتأخرين ، كصاحبي المفاتيح والاشارات.
المسألة الثالثة : قد ذكروا جملة من الشرائط في المفتي ، كالرجولية وطهارة المولد والحرية والحياة والبلوغ وغيرها.
ولا مجال لإطالة الكلام فيها بعد ما سبق من أنّا هنا بصدد تحديد موارد سيرة العقلاء ، التي لا ينبغي التأمل في عدم مانعية الأمور المذكورة بحسبها ، وأنه لا بد في البناء على مانعيتها من أدلة خاصة صالحة للردع عن السيرة ، ولا يسعنا استقصاؤها ، بل توكل للفقه.
إلا أنه لا بد من الكلام في وجه ما هو المعروف بين الأصحاب من اعتبار الحياة في المفتي ، لشيوع الابتداء بذلك وشدة الحاجة إليه ، فلا ينبغي الاتكال فيه على ما ذكرناه في الفقه ، ولو لملاحظة حال حضار درسنا ، حيث لم يطلع جملة