ومن ثم ذكر بعض المحشين ـ في ما حكي عنه ـ أنه قدّس سرّه ضرب في الدورة الأخيرة على العبارة الدالة على إرادة القسم الأول.
ولعل منشأ ما ذكره قدّس سرّه من كون الحاكم مفسرا للمحكوم بمدلوله اللفظي ومسوقا لذلك هو اختلاط ورود أحد الدليلين لتفسير الآخر بما إذا استفيد شرحه منه تبعا ، والخلط بين نظره إليه ونظره لمدلوله ، كما اختلط ذلك على غيره ، حيث يظهر منهم المفروغية عن لزوم نظر الحاكم للمحكوم ، مع عدم النظر في الموارد المذكورة ونحوها من موارد التنزيل ـ التي هي من أظهر موارد الحكومة عندهم ـ إلا لحكم أحد الدليلين ، دون الدليل نفسه.
هذا ، وحيث لا مشاحة في الاصطلاح فالمناسب تعميم الحكومة للقسمين معا ، لاشتراكهما في لزوم العمل بالحاكم ، ولأنه أنسب بالجمع بين تحديد الحكومة وأمثلتها في كلام شيخنا الأعظم قدّس سرّه الذي هو الأصل في الاصطلاح.
وعليه فالمعيار في الحكومة على كون أحد الدليلين ناظرا للدليل الآخر بنفسه أو بمدلوله ، ومسوقا لبيان حال أحدهما.
ولتخصّ الأولى باسم الحكومة البيانية ، لسوق الحاكم فيها لبيان حال نفس الدليل المحكوم ، والثانية باسم الحكومة العرفية ، لأن منشأ التحكيم فيها هو العرف ، على ما يأتي توضيحه إن شاء الله تعالى.
وليس هذا بمهم بعد أن كان راجعا لمحض الاصطلاح. وإنما المهم ما رتب عليه من الأثر العملي ، وهو لزوم تقديم الدليل الحاكم على المحكوم من دون نظر للمرجحات ، حيث ذكر ذلك شيخنا الأعظم قدّس سرّه وتسالم عليه من بعده.
ولا ينبغي التأمل في ذلك في الحكومة البيانية ، لعدم التنافي بين الحاكم والمحكوم في المضمون أصلا ، لفرض عدم تكفل المحكوم ببيان الجهة التي يبتني عليها استفادة الحكم منه ، والتي فرض تعرض الحاكم لها ، بل المتكفل بها