المقام الثاني
في التقليد
المستفاد من بعض كلمات اللغويين واستعمالات أهل اللغة أن التقليد عبارة عن جعل الشيء في عنق الغير ، وبلحاظ ذلك يستعمل في إلزام الشخص بشيء وتحميله مسئوليته ، لأن العنق مورد لتحمل المسئولية عرفا.
ومنه قول الصديقة عليها السّلام : «لا جرم والله لقد قلدتهم ربقتها». قال في لسان العرب : «والقلد إدارتك قلبا على قلب من الحلي ، وكذلك لي الحديدة الدقيقة على مثلها ... وكل ما لوي على شيء فقد قلد. والقلادة ما جعل في العنق يكون للإنسان والفرس والكلب والبدنة التي تهدى ونحوها ... ومنه التقليد في الدين ، وتقليد الولاة الأعمال ... وقلده الأمر ألزمه إياه ... وتقلد الأمر احتمله ، وكذلك تقلد السيف ...».
وأطلق في العرف على متابعة الغير في العمل. ولعله بلحاظ أن التابع قد حمّل المتبوع مسئولية عمله ، كأنه جعله في عنقه ، لتحمل المفتي مسئولية الفتوى ارتكازا ، كما يناسبه ما في صحيح ابن الحجاج : «كان أبو عبد الله عليه السّلام قاعدا في حلقة ربيعة الرأي فجاء أعرابي فسأل ربيعة الرأي عن مسألة فأجابه فلما سكت قال له الأعرابي : أهو في عنقك؟ فسكت عنه ربيعة ولم يرد عليه شيئا ... فقال أبو عبد الله عليه السّلام هو في عنقه قال أو لم يقل ، وكل مفت ضامن» (١) وخبر ابي بصير : «دخلت أم خالد العبدية على أبي عبد الله عليه السّلام وأنا عنده فقالت : جعلت
__________________
(١) الوسائل ج : ١٨ باب : ٧ من أبواب آداب القاضي حديث : ٢.