تحريم الفتوى بغير علم وجوازها عن علم بلحاظ حرمة القول في الدين بغير علم وإن لم يستتبع العمل ، كما لو صدر ممن ليس أهلا للتقليد بنظر السامع.
وقد ظهر من جميع ما تقدم : أن النصوص الظاهرة في جواز العمل اعتمادا على فتوى أهل العلم كثيرة جدا على اختلاف ألسنتها وتباين مضامينها.
وهي وافية بإحراز إمضاء سيرة العقلاء الارتكازية على ذلك كسيرة المتشرعة وآية النفر. ومن هنا كان جواز التقليد من الواضحات الملحقة بالضرورات الفقهية لو لم يكن من الضرورات الدينية.
وإنما أطلنا الكلام فيه واستقصينا أدلته للتنبيه على أن عموم الحجية تابع لعموم السيرة الارتكازية المذكورة. بمعنى أنه لا مجال للبناء عليه في غير موردها ، لعدم نهوض الأدلة الشرعية بذلك ، لأن المعتبر منها غير متكفل ببيان الحكم بوجه عام ، ليؤخذ به وإن قصرت السيرة عنه ، بل هو إما ظاهر في المفروغية عنه بسبب السيرة المذكورة أو غيرها من دون أن يتصدى لحدوده ، أو مجمل من حيثية سعة الحكم ، أو وارد في موارد خاصة لا مجال للتعدي عنها بفهم عدم الخصوصية في غير موارد السيرة.
كما أن الأصل عموم الحكم تبعا للسيرة بعد ما سبق من الاكتفاء في حجيتها بعدم ثبوت الردع. وبعد ظهور الأدلة في إمضائها ، حيث يفهم منها بسبب ارتكازية مورد السيرة إمضاء الأمر الارتكازي على سعته للغفلة عن خصوصية الموارد والتفريق بينها ، بل هو محتاج للتنبيه.
نعم لو دل الدليل على عدم الحجية في بعض الموارد كان صالحا للردع عن السيرة فيها ومخصصا لعموم الحجية لو كان.
وحيث اتضح ذلك فلا مجال لتحقيق موارد الردع الخاصة في المقام ، بل يتعين إيكاله للفقه ، كما سبق عند بيان منهج البحث ، وإنما المناسب للبحث هنا تحديد موارد السيرة وما يتعلق بذلك ويناسبه ، وهو يكون في ضمن مسائل ..