خاتمة
لا بد للمجتهد في مقام الاستنباط وتشخيص وظيفته ووظيفة العامي العملية من استفراغ الوسع في الفحص عن الأدلة ، وليس له الاكتفاء بما وصل إليه منها ، فضلا عن الرجوع للأصل من دون فحص عن الدليل لو لم يصل له ، فكما يجب عليه الفحص عن الدليل يجب عليه الفحص عما يعارضه أو يتقدم عليه من الأدلة الاخرى ، وعما يتحكم عليه من القرائن الصالحة لمعرفة المراد منه ، كالمخصص والمقيد وقرينة المجاز وغير ذلك مما يكون دخيلا في تشخيص الوظيفة ، والظاهر عدم الإشكال بينهم في ذلك ، كما يناسبه أخذ كثير منهم استفراغ الوسع في تعريف الاجتهاد وعدم صدقه بغير ذلك عليه ، بل لعل إطلاق الاجتهاد من الكل في المقام بلحاظ ذلك ، كما يظهر مما سبق في تعريفه.
وكيف كان ، فمرجع لزوم استفراغ الوسع إلى عدم جريان الاصول قبل الفحص عن الأدلة الحاكمة عليها وعدم حجية الطرق الواصلة قبل الفحص عما يعارضها أو يتقدم عليها من الأدلة وما يتحكم عليها من القرائن ، واختصاص فعلية جريان الاصول وحجية الطرق بصورة الفحص المذكور.
وهو ظاهر فيما إذا لم يكن لدليل الأصل أو الطريق إطلاق يشمل حال ما قبل الفحص ، كما قد يدعى في الظاهر الذي يحتمل وجود الصارف عنه من مخصص أو نحوه ، بتقريب أن بناء العقلاء على العمل بالظهور من دون فحص عن الصارف فيما إذا لم يكن وجود الصارف متوقعا ، لقلة الابتلاء بالقرائن المنفصلة بحيث يغفل عن احتمال وجودها أو لا يعتد به ، كما في الظهورات العرفية ، دون ما إذا كان متوقعا متعارفا لكثرته كما في الظهورات الشرعية ، بل لا يتضح بناؤهم على العمل بالظهور من دون فحص.
ومثله الفحص عن الدليل المعارض ، على ما سبق عند الكلام في صورة