بطرقهم في الاستدلال عارفا بأساليبهم ، بعيدا عن المؤثرات الخارجية من عاطفة غالبة أو انصهار بالشخص يقتضيان خضوعه لآرائه والغفلة عن جهات الضعف فيه ، وإعراضه عن غيره. إلا أن وجود هذا الشخص وتمييز العامي له في غاية الندرة.
واللازم على العامي ـ مع إدراكه ـ بذل الجهد في ذلك احتياطا لدينه ، كما يلزم ذلك على المسئول عن تعيين الأعلم احتياطا في شهادته وأداء لأمانته. ولا يهم مع ذلك الخطأ والصواب ، لأن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها ، ومنه سبحانه نستمد العون والتسديد.
ومما ذكرنا في معيار الأعلمية يظهر أنها قائمة بكل مسألة مسألة ، فيمكن اختلاف الأشخاص في الأعلمية باختلاف آحاد المسائل أو أنواعها ، لاختلاف المسائل في سنخ الأدلة ، فربما يكون الشخص أعلم في بعض المسائل مفضولا في بعضها ، نظير ما سبق في التجزي.
ويلزم حينئذ تبعيض التقليد ، كما صرح به غير واحد ، لعموم سيرة العقلاء على تعيين الأعلم عند الاختلاف ، وعدم ثبوت ما يمنع من العمل بمقتضاها.
نعم ، لو وصلت النوبة للتخيير ، للتساوي بين المجتهدين ، أو العجز عن تشخيص الأعلم منهم ، فحيث لم يكن هو مقتضى السيرة ، ولم يكن لدليله إطلاق ، وكان التبعيض في التقليد خارجا عن المتيقن لزم الاقتصار على التقليد في تمام المسائل.
الثاني : الظاهر أن سيرة العقلاء على تقديم الأعلم عند الاختلاف مختصة في موارد إمكان الاحتياط بما إذا كان الفرق معتدا به ، ولا يكفي فيه الأفضلية بمرتبة ضعيفة ، حيث يكون احتمال خطأ الأفضل معتدا به عند العقلاء.
نعم ، مع تعذر الاحتياط لا يبعد عندهم الترجيح بذلك في فرض الاهتمام بتحصيل الواقع ، لأنه الأقرب في الجملة ، لا لحجيته في مقام التعذير والتنجيز.