في تفاصيلها ، لا سيما أنها تتحدث عن تأثير هذا التراب في منح الحياة لكل ما يلقى عليه مما يجعلنا نقول إنه من الضروري ، في مثل هذه الحال ، أن تدبّ الحياة في المكان الذي حفظ فيه ، كما أن الظاهر القرآني لا يوحي بانبعاث الحياة والروح في العجل المصنوع ، لأن التعبير القرآني يصفه جسدا له خوار ، مما يعني جسدا خاليا من الروح ولكنه يحمل صوت العجل. ولو كانت المسألة كما تقول الروايات ، لكان من المفروض التعبير عنه بالعجل. وعلى أي حال فهي أخبار آحاد لا تقوم بها حجة في التفسير ، لأن حجية خبر الواحد ، في ما لم يفد القطع والاطمئنان ، لا تعني إلا ترتيب الأثر الشرعي على مضمونه ، في ما كان له أثر شرعي. أما الأمور التي تتضمن أخبارا عن قضايا كونية في السماء أو في الأرض ، أو عن أحداث تاريخية فلا مجال للاعتماد على الخبر الواحد فيها بنفسه ، بل يتبع القطع أو الاطمئنان ، من باب حجيتهما بعيدا عن الخبر. فلنترك الموضوع لعلم الله ، كالكثير مما أجمله القرآن ولم نصل فيه إلى يقين ، لا سيما إذا كان الأمر مما لا يتعلق به خط العقيدة في ما يجب اعتقاده ، أو خط العمل ، في ما يجب الالتزام به.
(وَكَذلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي) فليس هناك سر خفي أدّعيه من وحي أو غيب ، بل كل ما هناك أني استسلمت لبعض رغبات النفس الأمّارة بالسوء ، في ما سولت لي بأن أثير في المجتمع أوضاعا قلقة تربك الجو ، وتنحرف بالمسيرة ، وتقوده إلى الضلال ، تماما كأية حالة ذاتية يتحرك الإنسان من خلالها لتلبية رغبة محمومة تسيطر عليه. (قالَ فَاذْهَبْ) واخرج من المجتمع كله ، وعش وحدك ما دمت قد تحركت منساقا وراء رغباتك الخاصة ، على حساب سلامة المجتمع وفكره ومصيره ، مما لا يمكن أن يمارسه عاقل مسئول يتحمل مسئوليته عن مصير مجتمع. فإذا كنت قد فضلت الاستسلام لرغباتك ، وأغفلت المجتمع ، فعش مع نفسك لنفسك ، (فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَياةِ أَنْ تَقُولَ لا مِساسَ) فلا تخالط الناس ولا تمس أحدا ولا يمسك أحد ، كناية عن العزل