(كَذلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ ما قَدْ سَبَقَ) من الرسل في التاريخ ممن كان لهم الدور الكبير في الدعوة إلى الله والجهاد في سبيله ، لتعتبر ، ويعتبر الذين اتبعوك ، في ما يمكن أن تأخذه من درس في تجربة الدعوة والحركة ، وفي ما يمكن أن تحصل عليه من خشية لله. (وَقَدْ آتَيْناكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْراً) بما أوحينا إليك من القرآن الذي تتنوع فيه الأفكار والمفاهيم والقصص والمواعظ ، من أجل أن تتعرف من خلاله على حقائق الأمور وتفاصيل القضايا التي تتصل بمسؤوليتك أمام الله في الدنيا والآخرة ، ف (مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وِزْراً) بما يمثله الإثم من الثقل العظيم الذي ينوء بحمله الظهر في ما يكلفه من جهد كبير على مستوى النتائج السلبية للمسؤولية ، لأن الإنسان الذي يعرض عنه ، هو الإنسان الذي يبتعد عن الخط المستقيم بعد قيام الحجة عليه من الله في ما أنزله من آيات ، وقدّمه له من البينات ، فلم يكن له عذر في الانحراف عن الخط من شبهة أو ريب ، بل لله الحجة عليه في كل ذلك. (خالِدِينَ فِيهِ) أي في الجزاء الذي يترتّب على الإثم ، (وَساءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ حِمْلاً) لأنه الحمل الذي يشقى به صاحبه ، ينتهي به إلى النار وبئس القرار.
(يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ) فيحضر الناس جميعا إلى ربهم خارجين من الأجداث ، ويقفون أمام الله ، (وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقاً) وهي كناية عن العمى ، لأن العين إذا ذهب نورها أزرق ناظرها ، ويمكن أن يؤيد ذلك بقوله تعالى : (وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ عُمْياً) [الإسراء : ٩٧]. و (يَتَخافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْراً) عند ما يدور الحديث بينهم بشكل خافت لهول الموقف الذي يمنعهم من الجهر ، فيقدر البعض منهم المدة التي قضوها في الدنيا بعشرة أيام ، استقلالا لها أمام موقف الخلود ، أو لعدم شعورهم بها بشكل واقعي ، (نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْماً) لأنه لا خصوصية للعشرة ليؤكدوا عليها في تقديرهم للزمن ، بل المسألة هي مسألة التعبير عن النسبة بين المدة الأرضية المحدودة ، أمام المدة الأخروية الأبدية