حالة من يخاطب إنسانا عزيزا ، معرّضا للسقوط ، أو للهلاك ، ففيها يتحدث الإنسان عادة بكل هلع ومحبة ، لإنقاذ من يوده بأي طريق. وبذلك نجد في الحوار الذي تمثله الآيات المتقدمة ، بساطة الفكرة ووضوحها ، في إطار الجو الحميم الذي يسود الموقف.
فنحن نلاحظ ، في أسلوب إبراهيم ، أنه حاول تبرير دعوته لأبيه بأنه قد جاءه من العلم ما لم يأته ، ولذا ، فلا مانع هناك من وجهة اجتماعية أن يدعو الابن أباه ، مع حفظ مقام الأبوّة ، كما عبّر عن شعوره العاطفي تجاه ضلال أبيه ، وخوفه من أن يمسه عذاب الله.
وقد جاء ردّ أبيه ، ومن موقع من يشعر بسلطة الأبوة التي تضغط على الابن ليسير على خطى أبيه ، وتهدده بالقوة والطرد والهجران ، إن خالف ذلك ، فلا حوار ولا كلام بين الابن وأبيه ، إنما هو الأمر والطاعة ، فللأب أن يعلن رغبته قبل أمره ، وللابن أن ينفذ من دون تردد أو تفكير.
إنها شريعة المجتمع ، آنذاك ، التي تجعل من علاقة الأبناء بآبائهم علاقة تشبه علاقة العبودية التي يعيشها العبيد أمام المالكين.
ولم يتراجع إبراهيم عن إثارة الجو العاطفي في إعلان موقفه الرسالي من أبيه ، بعد أن رفض دعوته وقد استطاع فيه أن يوفق بين الرسالة والعاطفة ، فجعل العاطفة طريقا إلى رسالته ، وشعورا بالمسؤولية تجاه أبيه ، ومحوّلا الموقف ، الى موقف إنقاذ ، فكان رد فعله أن توجّه إلى أبيه بالسلام ، ووعد أن يدعو له بالمغفرة ، وبأن يوفقه الله تعالى لأسبابها من الهداية إلى الإيمان ؛ وأعلن له ولقومه ، باعتبار أن أباه يمثل فريق الكفر ، بأنه سيعتزلهم وما يعبدون من دون الله ، بعد أن قام بواجبه تجاههم.
وقد كان هذا الوعد من إبراهيم لأبيه بالاستغفار ناشئا عن أمله في أن يتراجع أبوه عن موقفه ويعود إلى الله ، وليس ناشئا على الإطلاق عن إحساسه