ويخبره بأن الملائكة لا تتنزل إلا تنفيذا لأمر ربها ، فإذا أمرهم بالنزول نزلوا ، وإذا لم يأمرهم به وقفوا وانتظروا خاشعين ، (لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ) [الأنبياء : ٢٧].
(وَما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ) فنحن رسل الله إليك ، لتكون رسول الله إلى الناس ، فلا تشعر بالإحباط والقلق ، إذا تأخرنا عنك ، ولا تحملنا مسئولية ذلك لأننا نتنزل بأمر الله في الوقت الذي يعيّنه ، وفي المكان الذي يحدّده ، فهو يملك ما لا نملكه من أنفسنا ، ويحيط بكل وجودنا من جميع جهاته ، (لَهُ ما بَيْنَ أَيْدِينا) مما نقدمه من أعمال ، أو مما يحيط بنا من أوضاع ، (وَما خَلْفَنا) مما يتصل بسر الوجود وحركته في الماضي ، (وَما بَيْنَ ذلِكَ) فليس هناك فراغ في حياتنا في المكان أو في الزمان أو في الأفعال ، أو في خصائص الوجود ، ليملأه غيره ، لأنه يملك كل شيء ويحيط بكل شيء ويهيمن على الوجود كله ، (وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا) فلا يغفل عن تدبير شيء من خلقه ، ولا يهمل شيئا من أمورهم مما يفرض على مخلوقاته التسليم المطلق له ، والخضوع الشامل لإرادته ، لأنه يعلم من دقائق حياتهم ، وأسرار وجودهم ، ما لا يعلمونه من أنفسهم ، فليتركوا الأمر إليه ، وليعتمدوا عليه في ذلك كله.
(رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) الذي خلقها وخلق كل شيء فيها ، فهو المهيمن عليها بعلمه وقدرته ، (وَما بَيْنَهُما) من المخلوقات التي تتحرك بإرادته ، لا شريك له في ذلك ، وهو المستحق للعبادة ، لأن كل من عداه فهو مخلوق له ، فكيف يكون معبودا من دونه ، (فَاعْبُدْهُ) في كل ما أمرك به ونهاك عنه ، واخشع له في نبضات قلبك ، وهمسات روحك ، واهتزازات مشاعرك ، وابتهالات شفتيك ، وانقياد أعضائك ، وانسحاق إرادتك أمام إرادته ، (وَاصْطَبِرْ لِعِبادَتِهِ) في ما يفرضه عليك الإخلاص لها والاستمرار عليها من معاناة للحرمان ، وتحمّل للجهد ، ومجابهة للتحديات ، فإن توحيد الله في العبادة يضع الإنسان في قلب المواجهة مع قوى الشرك في ما تمارسه عليه من ضغوط