معانيه في خط التبشير والإنذار ، (لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ) في ما ينتظر هم من الجنة ومن رضوان الله ، جزاء لطاعتهم وتقواهم وعبادتهم ، (وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدًّا) والمراد باللدّ ، جمع ألدّ ، وهو الشديد الخصومة ، أي لتحذر الذين يحترفون الجدل والنزاع والخصومة كأسلوب عملي في حياتهم ، ولذلك فإنهم لا يفتحون قلوبهم لوحي الله ، بعفوية الحقيقة وبساطتها ، بل يتعقدون منه ، ويعملون على إثارة الضوضاء من حوله في عملية هروب وإضلال ... ، ولذلك فإن مهمة الرسول ومن بعده من الدعاة ، هو إحداث الصدمة القوية التي تهز القلب والرّوح والوجدان ، لتثير فيها الخوف والقلق في مستوى قضية المصير.
وهذا ما ينبغي أن يعيشه الحاملون للقرآن ، الحافظون له ، الذين يتحملون مسئولية إبلاغه للناس ، وذلك بأن يتحركوا به في المجتمع مبشرين ومنذرين ، لا أن ينعزلوا به في دائرة ذواتهم وأشخاصهم بما لا يتعدى محيطهم ، لأنهم لا يريدون أن يتحملوا مشاكل الدعوة ، ونتائج المواجهة والمجابهة ؛ إذ لو وقف الناس جميعا هذا الموقف ، ينتظرون بعضهم من يتسلم زمان المبادرة في ذلك ، لمات القرآن في عقول الناس ، ولا نكمش في دائرة ضيقة من دوائر الواقع في الحياة العامة.
إن الإنذار لأمثال الناس المعقّدين المجادلين قد يفتح لهم أكثر من باب للتفكير وللتأمل وللسؤال وللانقياد في نهاية المطاف ، ليدرسوا التاريخ وليتعرفوا حركة المستقبل الذي يتصل بحياتهم ، في ما يأتي ، ليعرفوا كيف يمكن لهم أن يضبطوا خطواتهم على الصراط المستقيم.
(وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ) من هذه الجماعات التي كانت تتجمع في دوائر محدودة فبادت وتناولتها أيدي الفناء ، فلم تبق على شيء منها ، ولم يعد لها إلا ذكريات التاريخ القديم الضائع فلا يحس بهم أحد ، (هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ