صريح العقل المرتاض برفض العقائد الباطلة والتقليدات الواهية والعادات المضلّة. على أنّ الحس لا حكم له لا في الجزئيات ولا في الكليات كما تقدّم.
أمّا أنّ البصر قد يدرك الصغير كبيرا فعليه كلام ، وهو أنّ البصر إذا أدرك الشيء صغيرا لم يدركه معه كبيرا ولا بالعكس ، والحاكم بأنّ المدرك في الحالتين شيء واحد لا يمكن أن يكون هو البصر ؛ لأنّ الحاكم لا يحكم إلّا عند إدراكه في الحالتين معا ، فإذن هو العقل بتوسط الخيال.
وهذا الغلط إنّما توهمه العقل لا البصر. وذلك العقل حكم على الشيء المرتسم في الخيال بالصغر ، إذا البصر أحسّ به كذلك ، ثمّ وجد البصر أحسّ به كبيرا ، فتوهم أنّ البصر غلط في إبصاره ، ولم يغلط هو ؛ لأنّ الإبصار يكون إمّا بانطباع شبح المبصر في البصر وإمّا بوقوع شعاع من البصر على المبصر ، والأقرب إلى الحقّ هو الأخير.
وينبغي أن لا يلتفت إلى من يبطل القول بالشعاع ، بأنّ الشعاع إن كان جسما لزم تداخل الأجسام ، وإن كان عرضا لزم القول بانتقال العرض من محلّ إلى محلّ آخر ؛ لأنّ شعاع النيرات كالشمس والقمر والنار موجود يقينا ، فما به يندفع المحالان هناك ؛ يندفع به بعينه هنا.
ثمّ إنّ الشعاع يمتد من ذي الشعاع إلى قابل الشعاع من غير تخلّل خلل خال عن الشعاع ، أو تراكم اجتماع شعاعين من مأخذ واحد من ذلك الممتدّ في بعض أجزاء امتداده ، بل على هيئة مخروط مستدير مملوء جوفه ، رأسه عند ذي الشعاع ، وقاعدته على سطح قابل الشعاع الكثيف ، وينعكس منه إذا كان صقيلا إلى ما يحاذيه على زاوية مساوية للزاوية الحادثة بين الشعاع الممتد والسطح الصقيل ، ونسميه زاوية الشعاع ، وينفذ في القابل الشفاف ذي السطح الصّقيل ، وينعكس عن سطحه وينعطف في ثخنه إلى جانب ذي الشعاع كلّها ،