لم ينفذ في الظلمة نفوذا تامّا ، فلم يميّز النار عن الهواء المضيء بها ، بل أدركهما معا جملة واحدة فيراها البصر بزاوية أوسع من الزاوية التي تحدث من المحاذاة وحدها ، وذلك هو العلة لكونها في الرؤية أعظم ممّا لو رؤيت في غير الظلمة المذكورة بالمحاذاة وحدها.
وأمّا السبب في رؤية العنبة في الماء كالاجاصة ، فهو أنّ العنبة ترى في الماء بامتداد شعاعي النافذ في الماء والمنعطف معا ، ولا يتمايز الشعاعان لقربهما من سطح الماء. وأمّا في الهواء فيراها بالنافذ وحده. وهذا إذا كانت العنبة قريبة من سطح الماء ؛ أمّا إذا صارت بعيدة وصار الشعاعان متمايزين فيراها بالنافذة والمنعطفة في موضعين متمايزين في حالة واحدة.
وأمّا رؤية الخاتم كالسّوار عند قربه من العين ، فلتوسع الزاوية الشعاعية التي تحيط أضلاعها بالخاتم عند العين. وإدراك الأشياء البعيدة صغيرة لضيق تلك الزاوية. (١)
والجواب : المنع من كون الجزم بالبديهيات ليس أقوى من الجزم بالمحسوسات. وكون البديهيات فرعا ، ممنوع. نعم بعض البديهيات قد يؤدي الحس إليها ، لكن لا يجب في التأدية أن يكون المؤدي أقوى من المؤدى إليه ، فإنّ الحركة الثبوتية قد تؤدي إلى السكون العدمي والموجود أقوى من المعدوم. والاستعداد شرط في حصول الكمال ، وليس أقوى من الكمال. (٢)
ولأنّ الظن قد يكون أصلا للضروري ، كالمتواتر فإنّه علم ضروري يحصل من إخبارات متعاقبة ، كلّ واحد منها يفيد الظن ، فإذا تضافرت تلك الأخبار وتعاضدت بعضها ببعض حصل العلم الضروري.
__________________
(١) انتهى كلام الطوسي في نقد المحصل : ١٢ ـ ١٧.
(٢) راجع نفس المصدر : ٢٦.