ولأنّ التصديق فرع على التصوّر ، وقد بيّنا جواز كون التصور كسبيا والتصديق بديهيا.
والحكم لا شكّ في استناده إلى العقل ، لكن الحس قد يكون مبدأ له ، فتنسب مثل هذه إلى الحس ويخص بالقضايا المحسوسة أي التي حكم بها العقل بواسطة الاستعانة بالحس. ومثل هذه الأحكام قد تحصل في الكليات كما تحصل في الجزئيات ؛ فإنّ قولنا هذه النار حارة حكم عقلي مستند إلى الحس ، وكذا قولنا كلّ نار حارة (١) ، لكن الفرق بينهما كلية موضوع الثانية وتجرّده عن الغواشي المادية ، بخلاف القضية الأخرى ، لكنّهما اشتركتا في أنّ مبدأ الحكم الحس وتعدادهما معا في المحسوسات.
وفي كلام أفضل المحققين نظر ؛ فإنّ اليقين وصف للحكم بعدم احتماله للنقيض. وإنّما عنوا بكون المحسوسات يقينية أو غير يقينية أحكام العقل في المحسوسات. وإنّما حكم الجماعة بكون الحس غير يقيني ؛ لأنّه في معرض الغلط على ما يأتي ، وإنّما يوثق به إذا قارنه حكم العقل بالصحّة كما قال ، بل إنّهم بيّنوا أحكام العقل في المحسوسات أيّها تكون يقينية وأيّها تكون غير يقينية ، والعقل إنّما يعرض له الغلط ، إلّا (٢) باعتبار معارضة الوهم إياه ، أمّا المجرّد فلا.
ونهيه عن الالتفات إلى من يبطل القول بالشعاع ، غير مقبول لم يزد فيه عدا المشورة ، والحجة المبطلة له لا تندفع بأشعة النيرات.
لأنّا نقول : ذلك الشعاع عرض يحدث في المقابل للنير المستعد لقبول الشعاع ، لا أنّه ينزل من النير إليه كما توهمه بعضهم. وسيأتي البحث فيه إن شاء
__________________
(١) قال الطوسي : «وأمّا الحكم بأنّ كلّ نار حارّة فحكم عقليّ استفاده العقل من الإحساس بجزئيات ذلك الحكم» شرح الإشارات ١ : ٢١٦.
(٢) كذا.