نرى في الماء قمرا وعلى السماء قمرا آخر ، ونرى الأشياء الكثيرة واحدة ، كالرحى إذا أخرجنا من مركزها إلى محيطها خطوطا كثيرة متقاربة بألوان مختلفة ، فإذا استدارت سريعا رأينا لها لونا واحدا كأنّه ممتزج من تلك الألوان.
قال أفضل المحققين : سبب رؤية الواحد اثنين (١) : أنّ النور البصري ممتد من الدماغ في عصبتين مجوفتين تتلاقيان قبل وصولهما إلى العينين ثمّ تتباعدان ، وتتصل كلّ واحدة منهما بواحدة من العينين. وإذا كانتا مستقيمتين تبصران الشيء معا شيئا واحدا. وإن انحرفتا أو انحرفت إحداهما عن الاستقامة ، صارت محاذاة إحداهما منحرفة عن محاذاة الأخرى ، وصار المبصر من إحداهما غير المبصر من الأخرى ، فإذا أبصرتا شيئا واحدا حسبه المبصر شيئين لوقوع نور بصره عليه من محاذاتين متخالفتين وحكم العقل بالغلط ، وهكذا الحكم إذا تخالفت الوسطى والسبّابة من الأصابع في وضعهما وأحسّتا معا شيئا واحدا ، كحمّصة توهم أنّهما أحسّتا بحمصتين.
والأحول الفطري قلّما يرى الشيء شيئين لاعتياده بالوقوف على الصواب ، بل إنّما يقع ذلك للأحول الذي يقصد الحول تكلفا.
وأمّا رؤية القمر قمرين ، فلأنّ هذا يكون بنفوذ الشعاع البصري إلى قمر السماء وانعكاسه من سطح الماء إليه ، فإنّه يراه مرّتين ، مرة بالشعاع النافذ ، ومرة بالشعاع المنعكس.
وأمّا رؤية الألوان على الرحا لونا واحدا ، فلأنّ كلّ ما يدركه الحس الظاهر فإنّه يتأدّى إلى الحس المشترك ثمّ يتأدّى إلى الخيال ، فإذا أدرك البصر لونا وانتقل بسرعة إلى لون آخر ، كان أثر اللون الأوّل في الحس المشترك عند إدراك اللون الثاني ،
__________________
(١) راجع الفصل الثامن من المقالة الثالثة من الفن السادس من طبيعيات الشفاء قوله : «في سبب رؤية الشيء الواحد كشيئين».