فكأنّ الرائي رآهما معا ، ولا يكون بينهما زمان يمكن للنفس تميّز أحدهما فيه من الثاني ، فتدركهما ممتزجين ، وإن كان الإدراك بالشيئين. (١)
وأيضا إن زالت الألوان عن محاذاة البصر وارتسمت في الحس المشترك على توال لا يدرك الحس تراخي بعضها عن بعض ، أدركت النفس من الحس المشترك لونا ممتزجا من جميعها. (٢)
وفيه نظر ، فإنّ البحث الذي ذكرناه أوّلا في كبر الصغير آت هاهنا. وبقاء اللون الأوّل في الحس المشترك حال زواله عن البصر ، يقتضي بطلان دليل الخيال ؛ لأنّه إذا جاز بقاؤه ولو زمنا يسيرا جاز طويلا. وأيضا اللون الثاني إن حلّ في المحل الذي حلّ فيه الأول فإن بقي الأول في مكانه لزم اجتماع الضدين ، وإن فارق كان الأوّل مدركا على حدّ صرافته ، والثاني كذلك ، فلا يكون هنا لون ممتزج.
ج : قد نرى المعدوم موجودا كالسّراب ، والأشياء التي يريها صاحب خفّة اليد والشعبذة ، وكما نرى القطرة النازلة كالخط المستقيم ، والشعلة الدائرة بسرعة كالدائرة. (٣)
قال أفضل المحققين : السراب المرئي ليس معدوما مطلقا ، إنّما هو شيء يتراءى للبصر بسبب ترجرج شعاع ينعكس من أرض سبخة ، كما ينعكس عن المياه فيحسب ماء ، وليس للبصر فيه غلط. والأشياء التي يريها خفيف اليد والمشعبذ إنّما تكون في التوهم ، بخلاف ما يكون في الوجود ، بسبب عدم تمييز النفس بين الشيء وبين ما يشبهه ، إمّا بسبب سرعة الحركة من الشيء إلى شبهه.
__________________
(١) في المصدر : «بآلتين».
(٢) انتهى كلام الطوسي في نقد المحصل : ١٧ ـ ١٨.
(٣) راجع نفس المصدر ؛ الفصل السابع من المقالة الثالثة من الفن السادس من طبيعيات الشفاء.