كان لزم من حصول ذاتنا حصول علوم غير متناهية بالفعل ؛ لأنّ ذاتنا موجودة بالفعل وعلمنا بذاتنا هو نفس ذاتنا ، وكذا علمنا بعلمنا بذاتنا إلى ما لا يتناهى ، ولمّا كانت ذاتنا موجودة بالفعل وجب أن تكون هذه الأشياء موجودة بالفعل ؛ لاستحالة أن يكون الشيء الواحد موجودا بالقوّة والفعل معا ، وإن لم يكن ، لم يكن (١) علمنا بذاتنا نفس ذاتنا ، وهو غير القسم الذي نحن فيه.
لا يقال : العلم بالعلم هو بعينه العلم بالمعلوم.
لأنّا نقول : هذا باطل ؛ لأنّا قد نعلم الشيء ونغفل عن علمنا بعلمنا به. فإنّا نستحضر في ذهننا العلم بالعلم ونجد تفرقة بينه وبين ما إذا لم نستحضر ذلك العلم مع أنّ العلم بالمعلوم حاصل في الوقتين.
ولأنّ العلم بالعلم إضافة إلى العلم ، والعلم بالمعلوم إضافة إلى المعلوم ، وتغاير المضافين يستدعي تغاير الإضافتين.
وأمّا الثاني ، فلاستلزامه اجتماع المثلين.
اعترضه أفضل المحققين بأنّ علمنا بذاتنا هو نفس ذاتنا بالذات وغير ذاتنا بنوع من الاعتبار. والشيء الواحد قد يكون له اعتبارات ذهنية لا تنقطع ما دام المعتبر يعتبره. (٢)
وفيه نظر ، لأنّ هذا الاعتبار الذي حصل به المغايرة إن كان جزءا من علمنا بذاتنا دون ذاتنا أو من ذاتنا دون علمنا بذاتنا لم يتّحدا بالذات ، لأنّ المغايرة في المقوم تستلزم المغايرة في الحقيقة ، وإن لم يكن جزءا من أحدهما كان عارضا لذاتنا
__________________
(١) أي : إن لم يكن علمنا بعلمنا بذاتنا نفس علمنا بذاتنا ، لم يكن حينئذ علمنا بذاتنا نفس ذاتنا وهذا خلاف الفرض. وهذا من اعتراضات المسعودي كما صرّح به الطوسي في شرح الإشارات ٢ : ٣٢٠ ـ ٣٢١.
(٢) هذا جواب على اعتراض المسعودي ، راجع المصدر نفسه.