الذي هو علمنا بذاتنا أو لعلمنا بذاتنا الذي هو نفس ذاتنا. ومتى عرض لذاتنا ، عرض لعلمنا بذاتنا وبالعكس ، لاتحادهما في الذات ، فلا يحصل التغاير البتة.
الثالث : تعقل ذاتنا لذاتنا لا يكون نفس ذاتنا ، وإلّا لزم تعقلنا لذاتنا بدوام ذاتنا ، وكذا يدوم علمنا بعلمنا بذاتنا ، فتكون جميع المراتب التي لا تتناهى دائمة موجودة بالفعل لنا ، وهو ضروري البطلان (١). ولا مغايرا لذاتنا زائدا عليها ؛ لأنّ ذلك الزائد إن كان مساويا للماهية ـ كما يقولون : إنّه صورة للمعلوم في العالم ـ لزم اجتماع المثلين ، وإن لم يكن مساويا بطل قولهم : علم الشيء بذاته نفس ذاته ، وإنّ العلم صورة مساوية للمعلوم في العالم ؛ لأنّ هذا الزائد الذي جعلوه علما ليس أحدهما.
الرابع : (٢) لو كان العلم هو حصول صورة الشيء لغيره ، لكان الجسم الأسود مدركا للسواد لأنّه حصل له السواد ، والتالي باطل بالضرورة ، فإنّا نعلم ضرورة أنّ الجمادات لا شعور لها البتة.
لا يقال : الإدراك حصول الشيء لا لأيّ شيء اتّفق بل للذات المدركة ، والجماد ليس بمدرك.
وأيضا ، فإنّ ماهية النفس مخالفة لماهية الجسم ، والإدراك هو حصول الشيء للنفس المجردة لا للجسم ، ولا يلزم من كون حصول السواد في النفس إدراكا للسواد أن يكون حصوله للجسم إدراكا له.
ولأنّ حصول السواد للشيء إنّما يكون إدراكا له لو وقع ذلك الحصول على وجه مخصوص ـ وهو التجرّد عن المادة ـ ولمّا لم يكن حصول السواد للجسم على وجه التجرّد لم يكن الجسم عالما به.
__________________
(١) قارن شرح الرازي في شرحي الإشارات ، النمط الثالث ، ص ١٣٥.
(٢) انظر هذا الوجه في المصدر نفسه : ١٣٤ ـ ١٣٥.