ولأنّ الحصول إنّما يستلزم التعقل لو اتّحدت الصورة بالعاقل ، وهذا الشرط غير متحقق في الجسم والسواد.
لأنّا نقول : إذا كان الإدراك هو الحصول ، فالمدرك شيء له الحصول ـ أي الإدراك ـ فأينما تحقق الحصول وجب تحقق الإدراك ؛ لأنّه نفسه فيكون الجماد مدركا للسواد لأنّ السواد حصل له ، لكن لما كذب على الجماد الإدراك وصدق عليه الحصول وجب التغاير ، وإلّا صار قولنا في الجماد إنّه حصلت له الصورة وهو غير مدرك أنّه حصلت له الصورة ولم تحصل له.
وأيضا قولهم : «الإدراك حصول الشيء للذات المدركة» إن عنوا به للذات التي لها الحصول ، فالحال كذلك. وإن عنوا به عين الحلول فهو المطلوب ، ولمّا كانت النفس محلا للإدراك كانت مغايرة له ؛ لأنّ المحل مباين للحال ومغاير له. ولأنّ علمنا بالشيء لو كان عين ذاتنا لما كان يعتبر في علمنا بالشيء حصول حقيقة ذلك الشيء لنا. ولأنّه كان يجب أن نكون عالمين بذلك المعلوم أبدا.
فثبت ، أنّ علمنا بالشيء زائد على ذاتنا ، فذلك الزائد إن كان نفس الحقيقة المعقولة ، فأينما تحققت تلك الحقيقة المعقولة حصل العلم فالجماد عالم ، وإن كان غيره فهو المطلوب. فإذا كانت حقيقة الإدراك عندكم هو الحصول ، فأينما تحقّق الحصول كان إدراكا ، إلّا أن يجعل قول الوجود على الأمرين بالاشتراك اللفظي ، فيكون وجوده عند كونه حاصلا في التعقل مخالفا لوجوده عند كونه حاصلا للجسم وهو باطل ، لأنّا إن جعلنا وجود الشيء نفس ماهيته استحال أن يختلف وجود الماهية الواحدة بحسب اختلاف القوابل وإن وقع الإشكال ، لأنّ حقيقته إذا كانت مغايرة لمعقوليته وجب أن يكون وجوده مغايرا لمعقوليته. وإن جعلناه زائدا استحال أن يكون بالاشتراك اللفظي اتّفاقا وبما سبق من الأدلّة.
لا يقال : لا شكّ في أنّ التعقّل زائدا على عين تلك الماهية.