الانتقال واقعا في شيء موجود بالتدريج كالحركة. أمّا إذا كان الانتقال من لا شيء ، فلا يكون هناك أخذ ولا انقطاع ، والمتوسط بين المنتقل عنه والمنتقل إليه لا يعقل إلّا إذا كانا موجودين ، وهاهنا لمّا لم يكن المنتقل عنه ثابتا فلا ثبوت للانتقال أصلا ، والموصوف لا ثبوت صفة (١) له ، إلّا إذا كان أصل الثبوت له. فإذن لا متوسط بين العدم والوجود.
وفيه نظر ، فإنّه لا يلزم من كون الحدوث عدميّا كون الماهية الموصوفة به عدمية ، وإلّا لزم أن يكون الجسم حال سكونه عدميا. وإذا كان مفهوم الحدوث إنّما يتحقق عند تعقل العدم والوجود المرتب عليه ، وجب أن تكون الماهية حينئذ موجودة. ولأنّ الحدوث هي حالة الخروج من العدم إلى الوجود ، فلو لم تكن الماهية موجودة حينئذ لم يتحقق الإخراج حالة تحقّقه على ما قال. ولا يلزم من كون الماهية الموصوفة بتلك الصفة غير موصوفة بالوجود وحده أن لا تكون موجودة في الخارج ، بل تكون موجودة لاتصافها بالوجود ، ولا يضرها اتصافها بغيره أيضا ، فإنّها إذا اتصفت بالوجود وغيره فقد اتصفت بالوجود.
الوجه السادس (٢)
إنّا نجد العقل جازما بأمور كثيرة ، كجزمه بالأوّليات ، مع أنّ الجزم غير جائز فيها ، وذلك يوجب تطرّق التهمة إلى حكم العقل.
بيان الأوّل من وجوه :
الأوّل : إنّا إذا رأينا زيدا ثمّ غمضنا العين لحظة ثمّ فتحناها في الحال وشاهدنا زيدا مرّة أخرى ، جزمنا بأنّ زيدا الذي شاهدناه ثانيا هو الذي شاهدناه
__________________
(١) في المصدر : «لصفة».
(٢) ممّا تمسّك به اللاأدريّون لإثبات مقالتهم.