أوّلا ، وهذا الجزم غير جائز ، لاحتمال أنّ الله تعالى أعدم زيدا الأوّل في تلك اللحظة الّتي غمضنا العين فيها وخلق في الحال مثله. هذا على مذهب المسلمين ، (١) أمّا على مذهب الفلاسفة ، فلعلّه حدث شكل غريب فلكيّ اقتضى هذا النوع من التصرف في هيولى عالم الكون والفساد ، وهو وإن كان بعيدا لكنّه جائز عندهم. وعلى هذا التقدير يكون زيدا الذي شاهدناه ثانيا غير زيد الأوّل.
قال أفضل المحققين : العقل جازم بلا تردد أنّ هذا الزيد هو الأوّل ، فلو كان حكمه موقوفا على نفي الاحتمال المذكور لكان ذلك الجزم نظريا لا بديهيا.
والمسلمون لم يتفقوا على أنّ إعدام الموجود الباقي ممكن.
قالوا : المؤثر كلّ موجود يحصل منه موجود هو أثره ، ولهذا ذهبت المعتزلة إلى أنّ الإعدام يكون بايجاد ضدّ الموجود ، حتى مشايخهم (٢) قالوا : إنّ الله تعالى قبل القيامة يخلق عرضا هو الفناء لا في محلّ ، وهو ضد جميع ما سوى الله تعالى ، فيفنى بوجوده ما سوى الله تعالى ، وهو لا يبقى زمانين فينتفي ، ولا يبقى غير وجه الله ذي الجلال والإكرام.
__________________
(١) يقصد العلامة والرازي والطوسي بهذه الكلمة «مذهب المسلمين» أكثر المتكلمين من الأشاعرة والعدلية (الإمامية والمعتزلة).
(٢) يقصد من المشايخ الجبائيين ، لانّهما قالا : «ليس الفناء في محل دون سائر المعتزلة كما في شرح العلّامة على تجريد الاعتقاد حيث قال : «وقد اختلفوا فيه [الفناء] على ثلاثة أقوال : إحداها : قال ابن الاخشيد : إنّ الفناء ليس بمتحيز [أي الجوهر] ولا قائم بالمتحيز. الثاني : قال ابن شبيب : إنّ الله يحدث في كلّ جوهر فناء ثمّ ذلك الفناء يقتضي عدم الجوهر في الزمان الثاني فيجعله قائما بالمحلّ. الثالث : قال أبو علي وأبو هاشم ومن تابعهما : إنّ الفناء يحدث لا في محل فيفني الجواهر كلّها حال حدوثه».
ثمّ العلامة الحلّي يبطل القول بالفناء تبعا للماتن (الطوسي) راجع كشف المراد : ٤٠٣.
وأمّا أستاذنا العلّامة الشيخ جعفر السبحاني «دام ظلّه» ـ حين درسنا هذا الكتاب القيّم ـ فقد ذهب إلى أنّ الفناء على فرض ثبوته : انقضاء مقتضى الوجود ، وأنّ فناء العالم لا يحتاج إلى ضد.