فإن قيل : فكيف حال معجزات الأنبياء عليهمالسلام؟
قلنا : ليس معجزاتهم إعدام شيء باق. وأن جعل العصا حيّة ثمّ إعادتها إلى شببها (١) الأولى ، ليس إلّا تبديل صورة بصورة. وإخراج الناقة من الجبل ، وانفجار الماء من الحجر ، وإحياء الموتى ، وغير ذلك أمور ممكنة في العقل ليس فيها إعدام باق وإيجاد مثل المنعدم دفعة ، مع أنّ لبعضها تأويلات عقلية لا يمكن إيرادها هاهنا. (٢)
وفيه نظر ، فإنّ المشكّك يسلم الجزم ويطعن في حكم الجازم ، فإنّه غير مقبول (٣) لأنّه يجزم ويجوّز النقيض في شيء واحد ، فتوجه الطعن إليه. وإعدام الموجود متفق عليه ، لكنّ كيفية الإعدام مختلف فيها ، فبعضهم يسنده إلى الفاعل ، وبعضهم إلى الضدّ ، إلى غير ذلك.
والقائل بامتناع إعادة المعدوم من المسلمين يجوّز إعدام الشخص ، بمعنى تفرق أجزائه وتركّبها ، وهو كاف في غرض المشكك ؛ لأنّ الله تعالى قادر على إعدام زيد الموجود دفعة ، بأن يفرق أجزاءه ثمّ يركّب أجزاء أخر على صورته دفعة أيضا.
وعلى رأي الفلاسفة ، لا يجب حصر الاستعداد في مادة المني واستكماله في الرحم ، بل أيّ استعداد للصورة الإنسانية حصل لأيّ مادة قابلة وارتفعت الموانع ، فإنّه يجب الفيض من مفيضه.
الثاني : إنّا نشاهد إنسانا كبيرا فنحكم بالضرورة أنّه لم يخلق دفعة من غير أب وأمّ ، بل كان قبل ذلك طفلا ومترعرعا وشابّا حتى صار الآن شيخا ، وهذا الجزم غير ثابت. أمّا على مذهب المسلمين فللفاعل المختار ، وأمّا على قول
__________________
(١) في المصدر : «سيرتها».
(٢) نقد المحصل : ٤٠ ـ ٤١.
(٣) ج : «معقول».