مذهب الفلاسفة. (١)
وفيه نظر ، فإنّ البحث في الجزم الضروري ، كيف حصل مع إمكان صدوره من غيره؟ بأن يخلقه الله تعالى في جسم جمادي على صورة الإنسان ، ويتوهم السامع كون المتكلّم حيا أو إنسانا وليس هو كذلك ، فإنّ وجود الكلام لا يدلّ على حياة المتكلّم ، كالشجرة الّتي خلق الله تعالى فيها الكلام لموسى عليهالسلام.
الخامس : رويتم في الأخبار أنّ جبرئيل عليهالسلام كان يظهر إلى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في صورة دحية الكلبي ، وإذا جاز ذلك في العقل جاز أن يظهر في صورة سائر الأشخاص. فإذا رأيت ولدي فلعلّه بعض الملائكة ، بل الذبابة التي طارت لعلّها ليست بذبابة ، بل هي ملك من الملائكة. فثبت أنّ هذا التجويز قائم ، مع أنّ العلم الضروري بعدمه حاصل.
فثبت بهذه الوجوه أنّ البديهة جازمة بهذه الأحكام ، مع أنّ جزمها باطل. ولمّا تطرّقت التهمة إليها لم يكن حكمها مقبولا ، إذ لا شهادة لمتّهم.
لا يقال : جزم العقل بهذه القضايا استدلالي ، لا بديهي.
لأنّا نقول : لو كان كذلك لما حصل هذا الجزم إلّا لمن عرف ذلك الدليل. ولمّا لم يكن كذلك ، بل هو حاصل للصّبيان والمجانين ولمن لم يمارس شيئا من الدلائل ، علمنا أنّه بديهي ، لا نظري. على أنّا إذا رجعنا إلى أنفسنا وتأمّلنا أحوالنا ، علمنا أنّ علمي «بأنّ زيدا الذي أشاهده الآن هو الذي شاهدته قبل ذلك بلحظة ، وأنّه لا يجوز أن يقال : عدم الأوّل وحدث مثله» ليس أضعف من علمي بأنّ الواحد نصف الاثنين ، وأنّ الشيء إمّا أن يكون موجودا أو معدوما.
قال أفضل المحققين : المحقّقون من المسلمين وغيرهم من أهل الملل
__________________
(١) نقد المحصل : ٤٢.