يقولون : كلّ ما أخبر به مخبر صادق ، فإن كان ممكن الوقوع حكمنا بصحّته وأحلناه إلى القادر المختار ، وإن كان ممتنع الوقوع فإمّا أن نرجع فيه إلى تأويل مطابق لأصول ديننا ، أو نتوقف فيه. وإذا تقرر هذا الأصل لم تبق حيرة في موضع ممّا ذكره أو لم يذكره. ومن المقرر أنّ العلم القطعيّ لا ينقدح بالظنون الفاسدة والأوهام البعيدة الكاذبة.
وما ذكره في جواب الاعتراض هو الدليل على أنّ القدح في الضروريات بما أورده من الاحتمالات لا يؤثر في الجزم العقلي أصلا. (١)
الوجه السابع
مزاولة الصنائع العقلية وممارستها تدل على أنّ الإنسان قد يتعارض عنده دليلان في مسألة عقلية بحيث يعجز عن القدح في كلّ واحد منهما ، إمّا عجزا دائما أو في بعض الأحوال. والعجز لا يتحقق إلّا عند كونه مضطرا إلى اعتقاد صحّة جميع المقدمات التي في الدليلين ، ولا شكّ أنّ واحدا منهما خطأ ، وإلّا لصدق النقيضان. وهذا يدل على أنّ البديهة قد تجزم بما لا يجوز الجزم به.
الوجه الثامن
قد يكون الإنسان جازما بصحّة جميع مقدمات دليل معيّن ، ثمّ يتبيّن له الخطأ في بعض تلك المقدمات ، ولأجل ذلك ينتقل الرجل من مذهب إلى مذهب ، فجزمه بصحّة تلك المقدمة الباطلة باطل. فظهر أنّ البديهة متّهمة.
قال أفضل المحققين : قصور أفهام بعض الناس عن التمييز بين الحقّ والباطل واعتمادهم على ما يتقلّدونه من آبائهم وأساتذتهم بموجب حسن ظنّهم
__________________
(١) نقد المحصل : ٤٢.