فيهم ، ليس بقادح في الأوّليات. وأيضا التشكك في النظريات بسبب تعارض دليلين ، أو النقل من مذهب إلى مذهب بسبب ترجّح أحد دليلين متعارضين ، لا يقدح في النظريات. وصناعة المنطق ، لا سيّما صناعة سوفسطيقا منه ، إنّما هي لإرشاد العقلاء إلى (١) طريق الحقّ ومجانبة ما يقتضي الضّلال في العقائد والمباحث النظرية. (٢)
الوجه التاسع
إنّا نرى لاختلاف الأمزجة والعادات تأثيرا في الاعتقادات ، وذلك يقدح في البديهيات.
أمّا الأمزجة فلأنّ ضعيف المزاج يستقبح الإيلام ، وغليظ المزاج قاسي القلب قد يستحسنه فرب إنسان يستحسن شيئا وغيره يستقبحه.
وأمّا العادات فهو أنّ الإنسان إذا مارس كلمات الفلاسفة وألّفها من أوّل عمره إلى آخره ، ربما صار بحيث يقطع بصحّة ما يقولونه وبفساد كلّ ما يقوله مخالفوهم. ومن مارس كلام المتكلّمين كان الأمر بالعكس ، وكذا القول في أرباب الملل. فإنّ المسلم المقلد يستقبح كلام اليهود في أوّل الوهلة ، واليهودي بالعكس من ذلك ، وما ذاك إلّا بسبب العادات. وإذا ثبت أنّ لاختلاف الأمزجة والعادات أثرا في الجزم بما لا يجب الجزم به ، فلعلّ الجزم بهذه البديهيات ، إمّا لمزاج عام ، أو لألف عام ، وعلى هذا التقدير لا يجب الوثوق.
لا يقال : الإنسان يفرض نفسه خالية عن مقتضيات الأمزجة والعادات ، فما يجزم العقل به في تلك الحالة كان حقا ، لأنّ الجازم به في تلك الحالة هو صريح العقل ، لا المزاج والعادة.
__________________
(١) في المخطوطة : «لأنّ» والصحيح ما أثبتناه من المصدر.
(٢) نقد المحصل : ٤٣.