المعلوم بالبديهة ، أنّ مع بقائها لا يحصل الجزم بالبديهيات فقد توّجه القدح في البديهيات على كلا التقديرين.
قال أفضل المحقّقين : عدم الاشتغال بالجواب لا يقتضي بقاء الشبهة (١) القادحة في البديهيات (٢) ، فإنّها مع جزم العقل ، غير مؤثرة في العقول السليمة ، بل إنّما لا نشتغل بالجواب لفقدان ما يتّفقون عليه من مبادئ الأبحاث ، وكون البديهيات (٣) مستغنية عن الذّبّ عنها بالحجج والبيانات.
ولا يقال في جوابهم : إنّ شبهتكم (٤) التي أوردتموها ليست قضايا حسية ، فهي إمّا بديهيات ، وإمّا نظريات مستندة إلى بديهيات ، فلو كانت قادحة في البديهيات لكانت قادحة في أنفسها. لأنّهم يقولون : نحن لم نقصد بإيراد هذه الشبهة (٥) إبطال البديهيات باليقين ، بل قصدنا إيقاع الشكّ فيها ، وكيف كان فمقصودنا حاصل. (٦)
ثمّ قال منكروا المحسوسات والبديهيات معا : قد ظهر ممّا تقدّم ، تطرق التهمة إلى المحسوسات والبديهيات ، ولا بدّ فوقهما من حاكم آخر ، ولا يجوز أن يكون الحاكم هو الاستدلال ، لأنّه فرعهما ، فلو صححناهما به دار ، ولا نجد حاكما آخر ، فإذن لا طريق إلّا التوقف.
لا يقال : هذا الكلام الذي ذكرته ، إن أفادك علما بفساد الحسيات
__________________
(١) في المصدر : «الشّبه».
(٢) و (٣) في المصدر : «الأوّليات».
(٤) في المصدر : «شبهكم» وهو الصحيح بقرينة كلمة «قضايا» الآتية بصيغة الجمع ، ولانّ الشبهات كانت أكثر من واحدة.
(٥) في المصدر : «الشّبه».
(٦) نقد المحصل : ٤٥.